(178000 مئة وثمانية وسبعون ألف شجرة، في 26 ستة وعشرين قريةً مقدسية، تشكل الرئة النظيفة للمدينة المقدسة؛ إضافة إلى أكثر من مليونين ونصف مليون شجرة زرعناها في عموم أرض فلسطين).

أهي مجرَّد أرقام هذه التي تذكرها “رزان أكرم زعيتر”، وهل تقتصر دلالتها على العدد ؟ لنتأنَّ قليلاً، فشعار “العربية لحماية الطبيعة” يدلُّ على المزيد: (يقلعون شجرةً نزرع عشْراً).

منذ بداية الصراع، يوم كانت الأرض تحت عباءة العثمانيّ المثقل بتراكمات السنين، من يومها كانت الشجرة محوراً للصراع ورمزاً للموقف ودلالةً على الهوية. وفي عام 1908؛ عندما أطلقت “مؤسسة قيام إسرائيل”، المعروفة باسم “الصندوق القوميّ اليهوديّ” مشروعَ زراعة /220/ هكتاراً من أراضي مدينة اللدّ، التي اشترتها المؤسسة ووظَّفت لتشجيرها يداً عربية رخيصة الأجر؛ اختار الصندوق شجرةَ الزيتون بحكم انتشارها في المنطقة ومناسبة البيئة لها. لكن المستوطنين اليهود ثاروا على هذا الاختيار، وقاموا باقتلاع أشجار الزيتون وزرعوا مكانها شجر الصنوبر، لأنهم رأوا في الزيتونة رمزاً لفلسطين وأهلها ؟

هل من الغريب أن يعتبروها كذلك ؟ لا أعتقد أن الصهيونية هي من اختارت أن تكون شجرة الزيتون مرادفاً لهذه الأرض، وقريناً ملازماً لأهلها !

بل هو اختيار الطبيعة والتاريخ، وتوالي الأحفاد من بعد الأجداد على معانقة هذه الأرض، يسبحون جميعاً في فَلَك ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيْهَا نُعيْدُكُمْ ومِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾، وكان للزيتونة مكانُ الشمس من هذا الفَلَك، حتى لقد قامت بتتابع الأحقاب، بين هذه الأمَّة وبين الزيتونة والأرض التي تنبتُ فيها، شراكةٌ تامَّةٌ في الطبائع والصفات.

وغدا كلُّ واحد من هذه الثلاثية يقومُ مقامَ البدَل الكامل من أي فردٍ من أفرادها، فإن قلتَ: “الزيتون”؛ فأنت تقول: الزيتون والعربيُّ وفلسطين؛ وبذلك يصحُّ فَهْمُ من أدرك أن قوله تعالى: ﴿والتِّيْنِ والزَّيْتُون﴾، هو كنايةٌ تامَّةُ الدلالة على هذه الأرض المقدسة فلسطين.

ومنذ تلك الحادثة البليغة عام 1908، وإلى يومنا هذا تتابع السياسات الإسرائيلية، والقوانين الصادرة عن سلطات الاحتلال، والمفصَّلةُ على مقاس الرؤية الصهيونية، تتابع عمليات القلع وتجريف الأراضي، وإقامة الحواجز التي تُعيق وصول الفلسطينيّ إلى أرضه، أو اعتبارها مناطق عسكرية مغلقة، وكل ذلك تمهيداً لمصادرتها، وبناء المزيد من المستوطنات عليها.

إذن لابدَّ من رؤية المقصود المستتر وراء ما يفعله العدوُّ عندما يصادر أرضاً ويقلع شجرة، وذلك المعنى الكامن في قلب ما تقوم به العربية لحماية الطبيعة، ومن قبلها كل فلاح فلسطينيّ، عندما يزرع شجرة.

وإذا كانت رمزية الشجرة حاضرة في كل الفلسفات والأديان والآداب، حتى لقد اعتُبرت في تراثنا الحضاريّ الإسلامي أنموذجاً للوجود، وارتبطت في القرآن برحلة الوعي والكفاح الإنسانيّ منذ آدم إلى آخر إنسان تقوم عليه الساعة، وفي يده فَسيلةٌ، فيوصيه النبيُّ “ص” أن يغرسها ولا يرمي بها… فإنَّنا نُعيد التأكيد على ضرورة إدراك مكانة الشجرة في الصراع مع الصهيونية، وقيمتَها الرمزية والحقيقية، الماديَّة والمعنوية، وأنَّها إحدى العوامل الأكثر أهميةً، والتي سوف تحدد نتيجة هذا الصراع.

واستأذن درويش فلسطين لأروي عنه:
لو يذكرُ الزيتون غارسَهُ
لصار الزيت دمعا!
يا حكمة الأجداد
لو من لحمنا نعطيك درعا!
لكن سهل الريح
لا يعطي عبيد الريح زرعا!
إنّا سنقلع بالرموش
الشوكَ والأحزانَ… قلعا!
وإلام نحمل عارنا وصليبنا؟
والكونُ يسعى…
سنظل في الزيتون خُضرتَه،
وحولَ الأرضِ درعا.

– – –
إنّا نحبُّ الوردَ،
لكنّا نحبُّ القمحَ أكثرْ.
ونحب عطر الورد،
لكن السنابل منه أطهرْ.
فاحموا سنابلكم من الإعصار
بالصدر المسَمَّرْ.
هاتوا السياج من الصدور…
من الصدور؛ فكيف يُكسَرْ ؟
اِقبضْ على عنق السنابل
مثلما عانقتَ خنجرْ!
الأرض، والفلاح، والإصرار،
قل لي: كيف تُقْهَرْ؟!
هذي الأقانيم الثلاثة،
كيف تُقهَرْ؟!

24/3/2018 – بقلم الأستاذ الشّيخ محمّد أديب ياسرجي- عضو الحملة العالمية للعودة والملتقى العلمائي العالمي من أجل فلسطين