في قلب الضفة الغربية المحتلة، يطفو مشروع استيطاني يُعرف باسم E-1، ليمثل واحدًا من أخطر المخططات التي تهدد الوجود الفلسطيني وتعيد رسم خريطة الأرض بما يخدم أجندة الكيان الغاصب، يمتد المشروع على مساحة شاسعة تُقدَّر بنحو 12 كيلومترًا مربعًا شرق القدس، ليُحاك بخيوط دقيقة هدفها ربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس المحتلة، وقطع آخر شريان يربط شمال الضفة بجنوبها.
شطر الأرض وعزل القدس
تكمن خطورة المشروع في موقعه الاستراتيجي، إذ يؤدي تنفيذه إلى فصل القدس عن محيطها الفلسطيني بشكل كامل، وتحويلها إلى جزيرة معزولة داخل الطوق الاستيطاني. وبذلك تُقطع أوصال الضفة الغربية إلى شطرين منفصلين، لتُغلق نافذة التواصل الجغرافي. هذا التقطيع الجغرافي، يترجم مباشرة إلى حياة يومية أكثر قسوة للفلسطينيين الذين سيجدون أنفسهم أمام حواجز وأسوار جديدة تحاصر تنقلهم بين مدنهم وقراهم، كما يجهض عمليًا أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات تواصل جغرافي، ويكرّس واقع “الكانتونات” المفككة تحت السيطرة الأمنية والعسكرية للكيان الغاصب.
التهجير القسري والتجمعات البدوية
لا يقتصر المشهد على الخرائط. أكثر من 7 آلاف فلسطيني يقطنون في 22 تجمعًا بدويًا شرق القدس، أبرزها الخان الأحمر، يواجهون خطر التهجير القسري. هذه التجمعات التي تعيش حياة بسيطة على أطراف الصحراء مهددة بالاقتلاع الكامل. ففي كل خيمة وبيت من الصفيح، هناك حكاية لعائلة مهددة بأن تصبح بلا مأوى، فقط لأن المشروع الاستيطاني يحتاج لمساحات جديدة. التهجير هنا ليس مجرد انتقال قسري، بل هو اقتلاع لجذور الناس من أرضهم، وطمس لأسلوب حياة بدوي متجذر منذ عقود.
آثار إنسانية مدمّرة
التداعيات الإنسانية للمشروع ثقيلة الوطأة. عزل التجمعات عن بلدات فلسطينية قريبة مثل العيزرية، وحرمان السكان من أراضيهم ومصادر رزقهم، يعني ببساطة خنق الحياة اليومية. المدارس والعيادات والمزارع الصغيرة كلها ستكون ضحية مباشرة لهذا المخطط. أما الطرق الالتفافية التي ستُخصَّص للمستوطنين، فستحوّل الفلسطينيين إلى سكان محاصرين في جزر متناثرة داخل بحر من الكتل الإسمنتية.
إدانات حقوقية وإنسانية
أمام هذه الحقائق، تتصاعد أصوات المنظمات الحقوقية والإنسانية للتحذير من النتائج الكارثية. منظمة العفو الدولية وصفت المشروع بأنه جزء من سياسة التهجير القسري التي تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ. فيما اعتبرت هيومن رايتس ووتش أن ما يجري ليس سوى عملية ممنهجة لتقطيع أوصال الضفة وتحويلها إلى كانتونات معزولة.
ما بين الصمود والصمت
رغم الإدانات الواسعة، يبقى الفلسطينيون في التجمعات البدوية خط الدفاع الأول عن أرضهم. في الخان الأحمر مثلًا، تتحول الخيام البسيطة إلى رمز للصمود، حيث يصر الأهالي على البقاء رغم تهديد الجرافات. لكن الصمت الدولي وضعف الضغط الفعلي يمنح الكيان الغاصب مساحة أكبر للمضي في مشروعه. وهكذا، يتحول الألم الفردي للعائلات المهددة إلى صورة عن مأساة جماعية، حيث يُختزل المستقبل الفلسطيني في جغرافيا ممزقة، وحقوق مسلوبة، ونداءات لا تجد آذانًا صاغية.
اضف تعليقا