الضفة على شفير السرقة المعلنة… قرار يفاقم الجرح
في لحظةٍ تتكشّف فيها ملامح الغطرسة الاستعمارية بأوضح صورها، يطلّ الكيان الغاصب بمشروعٍ جديدٍ لضمّ الضفة الغربية المحتلة، خطوةٍ لا تتخفّى خلف ذرائعٍ سياسيةٍ أو قانونية، بل تُعلن صراحةً أن مشروع الاحتلال لم يكن يومًا مؤقتًا. إنها محاولة لابتلاع ما تبقّى من الأرض، ومحو ما تبقّى من الوجود الفلسطيني، في استكمالٍ لمسارٍ بدأ منذ النكبة ولم يتوقف يومًا.
هذا المسعى لا يكرّس السيطرة فحسب، بل يفتح باب التهجير مجددًا على مصراعيه، إذ يعني الضم تحويل القرى والبلدات الفلسطينية إلى مناطق مطاردةٍ، تُفرَض عليها القوانين الصهيونية لتبرير مصادرة الأراضي وطرد أهلها. إنّها عملية اقتلاعٍ منظمة، واستمرارٌ لسياسة التطهير العرقي التي وُلد عليها هذا الكيان.
القرار يفاقم المأساة اليومية لملايين الفلسطينيين، يحاصرهم في مدنٍ ممزّقةٍ بالجدران، ويحوّلهم إلى غرباء داخل أرضهم. الضفة التي كانت تُقاس بزيتونها وبياراتها، تُختزل اليوم إلى خرائط يرسمها محتلّ يسعى لتجريد الأرض من أصحابها.
على الأرض، يعني الضمّ قيدًا جديدًا على الحياة: مصادرة الأراضي، تدمير البيوت، حرمان الفلسطيني من حرية التنقّل، ومنعه من الزراعة والبناء والعمل والتعليم. إنها ليست سياسة احتلالٍ عادية، بل مشروع اقتلاعٍ شامل يرمي إلى تفريغ الأرض من أهلها وتحويل الباقين إلى جزرٍ بشرية محاصرة.
سياسيًا، يعكس القرار انزلاقًا خطيرًا نحو أقصى درجات التطرّف داخل مؤسسات الكيان الغاصب، حيث يتسابق قادة الأحزاب اليمينية لإثبات من هو “الأكثر قسوة على الفلسطينيين”. فالضفة تُستخدم كورقة انتخابية في مزاد الدم، والإنسان الفلسطيني يُختزل إلى رقمٍ على طاولة المساومة الداخلية.
دوليًا، يُعمّق هذا المسار عزلة الكيان الغاصب ويكشف نفاق حلفائه الذين يتحدثون عن “الاستقرار” وهم يموّلون التوسع والضم. فالعالم، الذي شهد مؤخرًا اعتراف دولي بدولة فلسطين، يقف اليوم أمام اختبارٍ أخلاقي حاسم: إما أن يترجم مواقفه إلى أفعالٍ توقف هذا التوحش، أو يواصل تواطؤه بصمتٍ يشرّع الجريمة.
أما محليًا، فإن الفلسطينيين لا يملكون ترف الانتظار. فالميدان ليس ساحة مواجهةٍ عابرة، بل مسرحٌ يوميّ للبقاء. كل شجرةٍ تُزرع في وجه الجرافة، كل بيتٍ يُرمَّم بعد الهدم، وكل عائلةٍ ترفض الرحيل عن قريتها، هي فعل بقاءٍ ورفضٍ للاقتلاع.
الضمّ هو إعلان حربٍ مفتوحة على الوجود الفلسطيني. ومهما حاول الاحتلال أن يفرض خرائطه، سيبقى في الضفة نبضٌ يعيد رسم الحقيقة في كل موسم زيتونٍ جديد: الأرض لمن يزرعها، لا لمن يحتلّها. والحقّ لا يزول بقرارات المحتل، لأنّ جذوره مغروسة في ترابٍ يعرف أسماء أهله جيدًا.


