أوقفوا الإبادة.. عامان على الإبادةأوقفوا الإبادة.. عامان على الإبادة

غزة تكتب على الركام.. دروس الصمود في زمن الإبادة

على ركام الأبنية المهدّمة، تنهض خيمة صغيرة من القماش المهترئ، يتقاطر إليها أطفال أنهكتهم الشمس والجوع والخوف. يجلسون على التراب حول لوحٍ صغير، يحملون بقايا دفاتر باهتة، كأنهم يكتبون على رماد ذاكرةٍ محروقة. هذه ليست مشهداً من رواية حرب، بل هي المدرسة الجديدة في غزة، المدينة التي تُحاول منذ عامين أن تُعيد تشكيل أبجديتها وسط غبار الإبادة.

في مدينة دير البلح، كما في سائر مناطق النزوح، تحوّلت الخيام إلى صفوف تعليمية مؤقتة. لا مقاعد ولا جدران ولا كتب. فقط وجوه أطفالٍ تتعلم وسط البكاء، وأمهاتٍ يتناوبن على الأمل، ومعلماتٍ يُدرّسن تحت لهيب الشمس. تقول المعلمة حنان المدهون، النازحة من شمال القطاع: “عامان من أعمار الطلبة ضاعت، والمنظومة التعليمية أُبيدت بالكامل، لكننا نحاول أن نزرع فيهم الأمل رغم الخوف والنزوح.”

منذ اندلاع العدوان، لم يكتفِ الكيان الغاصب بإبادة البشر، بل استهدفت الذاكرة والوعي. فبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، دُمّرت 163 مدرسة وجامعة بالكامل، وتضررت 388 مؤسسة تعليمية جزئياً، فيما تضررت 95% من المنشآت التعليمية بدرجات متفاوتة. أكثر من 662 مبنى مدرسي تعرض لضربات مباشرة، أي نحو 80% من إجمالي المدارس.

وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 785 ألف طالب وطالبة حُرموا من التعليم للعام الثالث على التوالي، وتعطل 25 ألف معلم وكادر تربوي، فيما استُشهد أكثر من 13,500 طالب و830 معلماً و193 أكاديمياً، وأُصيب أكثر من 25 ألف طالب.

لقد تحوّل التعليم إلى جبهة أخرى من جبهات الإبادة، إذ لم يبقَ في غزة سوى خيامٍ تُكافح للبقاء كأنها تكتب على وجه الريح “نحن ما زلنا نتعلم.”

حتى المبادرات الإلكترونية لم تنجُ من الحصار؛ لا كهرباء ولا إنترنت ولا بيئة آمنة للتعلم. الأطفال الجياع لا يتعلمون، والنازحون الذين فقدوا منازلهم فقدوا معها القدرة على متابعة التعليم. اتسعت الفجوة التعليمية حتى غدت هوّة تهدد أجيالاً كاملة بالأمية وطفولةٍ مسلوبة.

لقد تحوّل التعليم في غزة إلى معركة من نوع آخر: معركة الدفاع عن الوعي. فالمحتل لا يكتفي بتدمير الحجر، بل يستهدف العقل الفلسطيني ذاته. حرق المدارس والجامعات ليس مجرد قصف، بل سعيٌ إلى كسر وعيٍ يرى في المعرفة سلاحاً.

عامان من الحرب، وما زالت غزة تفتح خيمتها على الضوء. تكتب بالطباشير فوق غبار الركام أن المعرفة لا تُقصف، وأن الطفل الذي يكتب اليوم على التراب سيبني غداً مدرسةً على أنقاض الخوف، فالتعليم في غزة لم يعد درساً في القراءة والكتابة، بل بيان حياة في وجه الفناء، وصوت يقول للعالم: قد تحرقون كتبنا، لكنكم لن تطفئوا الذاكرة.

Share This Story, Choose Your Platform!