في عالمنا المعاصر، عندما يصبح الفنان أو المؤثر منصة لرأي عام، تتحمل هذه الشخصيات مسؤولية كبيرة، إذ إن صوتها يمكن أن يتجاوز الحدود المكانية والزمنية ليصل إلى أعماق الشعوب، وتصبح هذه الشخصيات إما جسراً للأمل، يعبر من خلاله عن دعم قضايا عادلة، أو شاهداً صامتاً على إبادة شعوب بأكملها. وعندما يُسكت عن الحق أو تتجاهل قضايا إنسانية، يتحول السكوت إلى تواطؤ مع الظلم.
ولذلك، يجب أن يدرك الفنان تماماً أن التزام الصمت تجاه الظلم ليس مجرد غياب للكلمات بل هو بمثابة مساهمة غير مباشرة في استمرار معاناة الأبرياء.

مؤخراً، تجسد هذا الوعي المسؤول في الدورة الـ 45 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي أُقيم في وقت تتصاعد فيه معاناة شعبنا الفلسطيني واللبناني في ظل الحرب المستمرة. فقد شهد حفل الافتتاح موقفاً لافتاً من الفنانين والمشاركين، حيث عبروا عن دعمهم للقضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق. إذ تميز الحدث بظهور عدد من الفنانين وهم يتوشحون بالكوفية الفلسطينية، بينما قدّم راقصون من غزة عرضاً للدبكة على إيقاع أغنية “أنا دمي فلسطيني”.

كما ألقى الفنان حسين فهمي، رئيس المهرجان، كلمة أكد فيها وقوف المهرجان إلى جانب الشعوب العربية وقضاياها العادلة، مشيراً إلى أن مهرجان القاهرة السينمائي ليس مجرد حدث ثقافي، بل هو منصة للتعبير عن المواقف الإنسانية. وأضاف أن القضية الفلسطينية، وهي قضية العدل والكرامة، تظل في قلب المهرجان. كما أعرب عن تضامنه مع لبنان، الذي يعاني بدوره من تداعيات الصراع المستمر مع الاحتلال.
ومن خلال هذه الرسائل، لم يقتصر الدعم على الفنانين فقط، بل تجسد في تفاعل الجماهير والمشاركين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرت العديد من الشخصيات العامة صوراً وتعبيرات دعم لفلسطين، مثل الناقدة السينمائية فايزة هنداوي التي شاركت صورة لها وهي ترتدي زي النساء الفلسطينيات، مصحوبة بتعليق “تحيا فلسطين”.

وفي خطوة أخرى لتعزيز موقف المهرجان، أعلن حسين فهمي عن رفضه رعاية أي شركات تدعم الاحتلال، مؤكداً أن الشركات الوطنية هي الراعية الوحيدة للدورة الحالية.

لقد أظهر مهرجان القاهرة السينمائي في هذا العام كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للتعبير عن المواقف السياسية والإنسانية، وكيف يمكن للفنانين أن يكونوا أكثر من مجرد شهود على
الأحداث، بل جسوراً للأمل وناطقين بالحق في وجه الظلم.