بين جدران محكمة العدل الدولية في لاهاي، وفي صمتٍ يحمل صدى آلاف الصرخات التي لم تُسمع بعد، افتتحت المحكمة، يوم الإثنين 29 نيسان/أبريل 2025، جلسات استماع غير مسبوقة لبحث مدى التزام الكيان الغاصب بالقانون الدولي الإنساني، في ظل ما يصفه مسؤولون أمميون بأنه أسوأ كارثة إنسانية يشهدها قطاع غزّة منذ النكبة.
الجلسات تأتي استجابة للطلب الذي تقدّمت به جمهورية جنوب إفريقيا، ضمن دعوى تتهم الكيان بانتهاك التزاماته بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبتها، وخاصة بعد المجازر المتواصلة، والتجويع الممنهج، ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
حضور واسع من ممثلين عن أكثر من 39 دولة، هذه الدول ستعرض مرافعاتها تباعًا على مدى أيام، فيما غاب ممثلو الكيان الغاصب عن الجلسة الافتتاحية.
وقال مدير الاتصال لدى الأونروا، في تصريح لافت: إن الوضع في غزة يشبه أهوال يوم القيامة. في حين عبّر مسؤولون أمميون عن قلقهم الشديد من أن قطاع غزة دخل أخطر مراحل أزمته الإنسانية.
ما كشفته الجلسة الأولى كان كافياً لتجريد الصورة من كل الغموض: تجويع ممنهج، تدمير للبنية التحتية، قصف للمستشفيات، وحرمان المدنيين من أبسط مقومات الحياة. وفي أروقة المحكمة، ارتفعت أصوات قانونية تُحمّل الكيان المسؤولية المباشرة عن سياسة الموت البطيء التي تُمارس ضد المدنيين في غزة.
وترافعت بعض الدول المشاركة مُشددة على أن استخدام التجويع كسلاح في الحرب يمثل خرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف، ويجب مساءلة الكيان على ذلك، فيما أكدت دول أخرى أن منع دخول المساعدات ليس فقط انتهاكًا، بل جريمة لا يمكن أن تُغتفر.
من خلف جدران القطاع المحاصر، خرجت أصوات الفلسطينيين من تحت القصف لتُرحّب بهذه الخطوة القانونية، وتدعو إلى عدم الاكتفاء بمداولات نظرية، بل إلى ضرورة تحويل هذه الجلسات إلى رافعة محاسبة فعلية، تُفضي إلى خطوات عملية.
وأكّد الفلسطينيون أن مداولات المحكمة تُعد خطوة مفصلية على طريق مساءلة الكيان الغصب عن الجرائم التي يرتكبها يومياً بحق الشعب الفلسطيني، من قصف وتجويع وحرمان من المساعدات. كما إنها تفضح استخدام الكيان الجوع كوسيلة حرب ضد المدنيين العزل.
وطالبت شخصيات وطنية فلسطينية المجتمع الدولي، بمؤسساته القانونية والحقوقية، بتحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، لا سيما في ظل تجاهل الكيان المتعمّد لكل التدابير الاحترازية السابقة التي أصدرتها المحكمة.
وفي زمن تتغوّل فيه القوة ويُسكَت فيه صوت الحقّ خلف العناوين الباردة، فإن جلسات لاهاي، رغم كل ما يُقال عن محدوديتها، تبقى لحظة أخلاقية هامة.
هي ليست لحظة انتصار، بل لحظة إثبات، لحظة توثيق، لحظة تقول للعالم: “نحن نرى… ونحن نكتب، والتاريخ لا ينسى”.
اضف تعليقا