من محمد الدرة إلى أطفال غزة.. دمٌ واحد يفضح الجريمة المستمرة
قبل خمسةٍ وعشرين عامًا، اهتز العالم على مشهد الطفل الفلسطيني محمد الدرة وهو يحتمي بوالده خلف برميل إسمنتي في شارع ضيق بغزة. كاميرا تلفزيونية التقطت استغاثته تحت وابل الرصاص قبل أن يسقط شهيدًا بين ذراعي أبيه في 30 أيلول/سبتمبر 2000.
تحولت صورته إلى رمز عالمي لجرائم الكيان الغاصب، وأيقونة تلخص معاناة أطفال فلسطين، رغم محاولات الكيان الغاصب إنكار الجريمة.
اليوم، وبعد ربع قرن، يتكرر المشهد بأشكال أشد قسوة. فمنذ السابع من أكتوبر 2023 يعيش قطاع غزة حربًا توصف دوليًا بأنها إبادة جماعية.
قصف الكيان الغاصب العنيف حوّل الأحياء السكنية إلى ركام وأدى إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا، بينهم أكثر من عشرين ألف طفل وفق تقديرات منظمات حقوقية.
منظمة “أنقذوا الأطفال” تقول إن طفلًا واحدًا يُقتل كل ساعة في غزة، فيما وصفت اليونيسف القطاع بأنه “مقبرة للأطفال”. هذه الأرقام المروّعة تكشف نهجًا ممنهجًا يستهدف المدنيين ويعيد إلى الأذهان لحظة محمد الدرة، كأن صورته تتكرر مع كل طفل فلسطيني يُقتل تحت القصف.
لا يقتصر العدوان على القنابل، بل يمتد إلى سلاح التجويع والحصار. منذ بداية الحرب، حُرم أكثر من مليوني إنسان من الغذاء والماء والدواء. وكالات الأمم المتحدة تحذر من مجاعة وشيكة تطال مئات الآلاف، فيما يواجه الأطفال خطر الموت جوعًا ومرضًا. تدمير المستشفيات واستهداف الطواقم الطبية جعل النظام الصحي على شفا الانهيار الكامل، إذ خرجت غالبية المرافق الطبية عن الخدمة أو تعمل بقدرة شبه معدومة.
وفي الضفة الغربية يتصاعد العنف الاستيطاني والاقتحامات العسكرية بالتوازي مع حرب غزة. تقارير حقوقية توثق مئات الاعتداءات التي أوقعت مئات الشهداء والجرحى ودفعت تجمعات فلسطينية بأكملها إلى النزوح القسري، وسط اعتقالات جماعية طالت الآلاف بينهم أطفال ونساء، ما يكرس سياسة عقاب جماعي للفلسطينيين.
هذه الجرائم المتواصلة تعيد إلى الأذهان صورة محمد الدرة، لتغدو مرآة للحاضر الدموي الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم. دماء الأطفال في غزة والضفة تنادي العالم لكسر جدار الصمت وإنهاء العدوان والإبادة. وسيبقى محمد الدرة، ومعه كل طفل قضى تحت القصف، شاهدًا على مأساة لم تنتهِ بعد، ورمزًا لوعد لا يسقط: أن العدالة آتية مهما طال الزمن.