الشتاء يطرق خيام غزة... والعالم يلتزم الصمتالشتاء يطرق خيام غزة... والعالم يلتزم الصمت

الهدوء المعلّق بين دويّ الانفجارات في غزة

منذ إعلان وقف إطلاق النار في غزة ودخول المرحلة الأولى لانسحاب الكيان الغاصب من أجزاء من القطاع، لم يعرف أهل غزة الهدوء.

فالحرب التي قيل إنها توقّفت، ما زالت تكتب فصولها كل ليلة على ضوء الانفجارات في الشرق والشمال، وكأنّ غزة لا يُسمح لها أن تنام إلا على صوت الدمار.

فضمن المناطق التي يتواجد فيها الكيان الغاصب، تواصل جرافاته تفجير المنازل بحجة “إزالة مبانٍ قريبة من الحدود”، فيما يسمّيها الأهالي بالاسم الحقيقي الذي تعرفه أرواحهم: استمرار الحرب بصورتها الخفية. دويٌّ لا ينقطع، ورعبٌ يملأ القلوب، وليلٌ يتحوّل إلى امتحانٍ يوميّ للصبر.

حنان جندية، نازحة من حي الشجاعية، تقول إن قلبها “ينخلع مع كل انفجار جديد”، وإنها لم تعرف بعد إن كانت الحرب انتهت فعلاً أم أنها فقط غيّرت مواعيدها.

“نسمع الأصوات تتقاطع في الليل، يقولون إنها بيوت تُنسف خارج الخط الأصفر، لكن بيوتنا هناك خلف الركام. الهدوء ليس بيانًا سياسيًا، الهدوء هو أن ينام أطفالي دون فزع.”

تتكرر الحكاية مع رائدة رضوان، المعلمة التي حلمت بأن توقف النار سيعيد إلى ليل غزة هدوءه القديم. لكنها اليوم تدرّس الأطفال وسط الخوف، تشرح الدروس على ضوء القلق. يحفظون الأرقام، لكنهم لا يفهمون معنى الأمان. كل انفجار يعيدنا إلى نقطة الصفر.

في الشوارع، يختصر سائق الأجرة عمر مقداد المشهد بكلمة واحدة: “الصوت واحد والخوف واحد”. فلا أحد يميّز بين قصفٍ جديد أو تفجير ونسف المنازل، لأن النتيجة واحدة ارتجاف المدينة على نفسها.

ما يجري في غزة سياسةً متعمّدة لتثبيت واقعٍ ميداني جديد، إذ يسعى الكيان الغاصب إلى إبقاء القطاع في دائرة السيطرة عبر “إدارة الخوف”، لا عبر الحرب فقط.

وعمليات النسف المتواصلة تترجم عمليًا مخططات الكيان الغاصب حول الحفاظ على السيطرة في غزة، بينما تساهم الرؤية الأميركية في تكريس هذا الواقع عبر ربط الإعمار بمناطق ما بعد الخط الأصفر، وكأنّ الحياة نفسها باتت خاضعة لخرائط القوة.

أما الخبير العسكري رامي أبو زبيدة، فيقرأ المشهد من زاوية أن هذه ليست تفجيرات عشوائية، بل سياسة ردع مقصودة لإبقاء غزة في حالة تهديدٍ دائم. الاحتلال يخلق بيئة تُبقي صوت الحرب حاضرًا حتى لا يستعيد المجتمع توازنه. يريد أن يقول: المعركة لم تنتهِ بعد.

وبين تصريحٍ وآخر، يمرّ الليل بطيئًا على سكان غزة. أصوات تتردّد من بعيد، ورائحة غبارٍ تحلّ مكان النسيم. في المخيمات، الناس يحصون الانفجارات كما كانوا يحصون الغارات، والبيوت التي تنتظر الإعمار تزداد تصدّعًا مع كل هزّة جديدة.

الاحتلال يغادر نظريًا، لكنه يترك خلفه خطوطًا من الخوف والركام، أما الغزيون، فيعرفون أن الهدوء لا يُقاس ببيانات الانسحاب، بل بالقدرة على النوم دون أن يوقظهم صوت الحرب من جديد.

Share This Story, Choose Your Platform!