في يومهم العالمي.. ذوو الإعاقة في غزة بين الركام والانتظارفي يومهم العالمي.. ذوو الإعاقة في غزة بين الركام والانتظار

في قلب الخليل… الحرم الإبراهيمي يقف على حافة التهويد

يمتد الحرم الإبراهيمي في الخليل كجدارٍ للذاكرة، يحمل قرونًا من التاريخ والحضور الروحي، لكنّه اليوم يعيش واحدة من أكثر مراحله قسوة منذ عقود. فالمكان الذي طالما كان ملتقىً للخشوع وتماهيًا مع الزمن، أصبح ساحة مفتوحة لاعتداءات متصاعدة، ومحاولات محكمة لإعادة صياغة هويته الدينية والتاريخية والإدارية، ضمن ما يصفه المختصون بأنه “هجمة ممنهجة” تسعى إلى سلخه عن جذوره العربية الإسلامية.

واقع يتشكل بالإكراه

مدير الحرم الإبراهيمي، معتز أبو سنينة، يختصر المشهد بقوله إن الاعتداءات لم تعد تفصيلًا عابرًا، بل باتت سياسة رسمية تهدف إلى فرض واقع جديد داخل الحرم وفي محيطه. الاقتحامات اليومية، سواء من جنود الاحتلال أو المستوطنين، تُقدَّم بذريعة “الأمن”، بينما هدفها الحقيقي هو تكريس السيطرة المطلقة على المسجد.

الأمر لا يقف عند حدود الاقتحام؛ فالكيان الغاصب يغلق أبواب الحرم أمام المصلين المسلمين لساعات طويلة، وأحيانًا لأيام كاملة، في انتهاك واضح لحرية العبادة. أما الذين يُسمح لهم بالدخول فيواجهون قيودًا مهينة، وتشديدًا مبالغًا فيه للتفتيش، في محاولة لتقليل وجود المسلمين وإفراغ المكان من روحه الأصلية.

هندسة المكان… وهندسة الحضور

لا يتوقف التشويه عند مساحة العبادات، بل يمتد إلى الفضاء العمراني المحيط بالحرم. أبو سنينة يكشف عن مشاريع تهويدية تشمل الحفر وتغيير مسارات الطرق التاريخية وبناء ممرات خاصة للمستوطنين. لجنة الإعمار الفلسطينية تُمنَع من الترميم، فيما يُسمَح للمؤسسات الاستيطانية بعمليات صيانة وتغيير داخل الأقسام المسيطر عليها.

الأكثر حساسية ـ بحسب حديثه ـ هو استهداف الهوية الصوتية للمسجد؛ تعطيل الأذان أو خفض الصوت أصبح ممارسة متكررة عشرات المرات شهريًا، في محاولة لمحو الحضور الإسلامي وتحويل المكان إلى فضاء تُسمَع فيه طقوس يهودية دون منافس.

كما ازدادت الاعتداءات المباشرة على المصلين، وتشمل الدفع والضرب والاعتقال ومنع الدخول، خصوصًا في صلاة الفجر، الأمر الذي يرى أبو سنينة أنه جزء من محاولة فرض تقسيم زماني كامل على غرار ما يجري في المسجد الأقصى، يتبعه تقسيم مكاني موسّع للاستيلاء على مزيد من أجزاء الحرم منذ مجزرة 1994.

من الخليل إلى القدس… اعتداءات تحمل البصمة ذاتها

مفتي القدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، يؤكد أن ما يحدث في الخليل ليس استثناءً، بل امتداد لسلسلة سياسات تستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى. الاحتلال، كما يقول، يستخدم أدوات متعددة: منع المصلين، نصب بوابات حديدية، تقييد الترميم، وتشديد الرقابة، وكلها خطوات مدروسة لتغيير الهوية العربية الفلسطينية لهذه المدن.

المفتي يرى في الإجراءات تقسيماً دينياً واضحاً بدأ منذ سنوات ويتخذ اليوم شكلًا أكثر حدّة. فالمسجد الإبراهيمي ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو جزء من جوهر الهوية الفلسطينية في الخليل، ومكوّن مركزي لعلاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه وتراثه.

الصمت الدولي… فرصة للمزيد

يحذّر أبو سنينة والمفتي معًا من أن غياب الضغط الدولي يشجّع الاحتلال على توسيع اعتداءاته، بل ويمنحه قناعة بأن الموقع بات متاحًا لمشاريعه التهويدية. الدعوات تتصاعد لإعادة تفعيل دور المنظمات الدولية، وعلى رأسها اليونسكو، لحماية ما تبقى من هوية الحرم ومنع طمس معالمه.

لكن المفتي يذهب أبعد، فيؤكد أن البيانات وحدها لم تعد تكفي، وأن الواجب الديني والوطني يحتم استمرار التواجد الفلسطيني في الحرم، بما يشكّل خط الدفاع الأول في معركة ليست مجرد صراع على طقوس، بل “معركة وجود” على المكان والذاكرة والتاريخ.

في الخليل، لا يصدح الأذان فقط، بل يصرخ التاريخ كي لا يُمحى. الحرم الإبراهيمي اليوم يقف بين صوتين: صوت يحاول أن يُشيّد وجودًا مصطنعًا على حساب أصالته، وصوت فلسطيني يصرّ على البقاء، ولو تحت بوابات التفتيش والكاميرات والمضايقات. هي معركة ليست جديدة. فالحرم، الذي عبر قرون ظل شاهدًا على صراع الهوية، يجد نفسه اليوم أمام فصل جديد، ينتظر من العالم أن يرى، ومن الفلسطيني أن يصمد، لأن سقوطه ليس سقوط مسجد، بل سقوط ذاكرة مدينة بأكملها.

Share This Story, Choose Your Platform!