غزة تواجه أزمة إنسانية خانقة وسط استمرار الحصار والقيود على المساعداتغزة تواجه أزمة إنسانية خانقة وسط استمرار الحصار والقيود على المساعدات

حين ينهمر المطر على خيامٍ أثقلها الحصار في غزّة

لم ينتظر الشتاء طويلًا ليكشف هشاشة المأوى الذي يحتمي به مئات الآلاف في قطاع غزة. يكفي أن تهطل السماء قليلًا، حتى تتحوّل الخيام إلى قوارب مشققة، يغمرها الماء والطين، ويغرق معها ما تبقّى من حياة.
الليل هناك لا يُقاس بالساعات، بل بالمطر الذي يتسرّب من السقف، وبالبرد الذي يلسع وجوه الأطفال، وبالخوف من أن يبتلع المنخفض القادم ما بقي لهم من مأوى.
على أرضٍ بلا جدران، يبدأ فصل طويل من المعاناة.. فصلٌ بلا دفء، بلا سقف، وبلا وقت كافٍ لاستعادة الأنفاس.

ليل المواصي.. حين أيقظ المطر المخيم

في خيام المواصي غرب خان يونس، بدأ المشهد.. انهمرت الأمطار، فابتلّت الملابس والأغطية والذكريات، وغرقت عشرات الخيام في دقائق.
ميساء أبو عنزة استيقظت مذعورة وهي ترى المياه تشق طريقها إلى خيمتها. أيقظت أطفالها، أمسكتهم من أذرعهم الصغيرة، وحاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أغراضٍ غمرها الماء.
تقول وهي ترتجف: “كل شيء صار مبلولًا… حتى المكان الذي يجب أن ننام فيه صار يشبه البركة.”
سالي، جارتها في المخيم، لم تجد طريقًا سوى خيمة شقيقها. “الأقل سوءًا”، كما وصفتها، رغم أن المطر تسلّل إليها هي الأخرى.
الخيام التي التصقت ببعضها كمن يلتمس حماية، لم تستطع أن تحمي نفسها. أراضي المخيم المنخفضة ابتلعت الماء، والممرات الطينية تحولت إلى مستنقعات تُعيق الحركة وتزيد من هشاشة المكان.
على مقربة، كانت “أم أحمد” تبحث عن زاوية جافة تحمل فيها حفيدها الذي يرتجف من البرد.
تقول بحزنٍ ثقيل: “خيمتي تجاوزت العامين… ما عاد قماشها قادرًا يصد المطر. والخيمة الجديدة صارت أغلى من أن نشتريها.”

خيمة بـ500 دولار… وشتاء بثمن العمر

في السوق، الخيمة الواحدة تُباع بـ500 دولار. رقم لا يشبه قدرة النازحين الذين يعيشون على المساعدات. آلاف العائلات لا تملك ثمن قماش يحميها من المطر.
صلاح زنون، النازح قرب المسلخ التركي، يعيش في ما لا يمكن حتى أن تسميته خيمة: شادرٌ مشدود، وقماشٌ تآكل بفعل الزمن.
طفلاه نُقلا إلى المستشفى بسبب نزلة معوية حادة.
يقول صلاح: “الناس مفلسة… الحرب أكلت كل شيء. نعيش يوم بيوم من المساعدات.”
محمد النجار، مندوب مخيم فلسطين، يؤكد أن أكثر من 100 خيمة غرقت خلال أول منخفض، وأن نصف خيام المخيم بحاجة لاستبدال عاجل.
ويضيف لقد حذّرنا منذ شهر… كنا نعرف أن أول مطر سيصنع كارثة.

الأونروا: المأوى موجود… لكن لا يُسمح بدخوله

الأونروا أعلنت أن لديها خيامًا جديدة وموادًا للإيواء، لكنها تنتظر السماح بإدخالها،
وأشارت الأونروا إلى أن سلطات الاحتلال رفضت منذ 11 أكتوبر 23 طلبًا لإدخال مواد أساسية تشمل الخيام وأدوات العزل والفراش.

شتاء بلا سقف… ومعاناة بلا نهاية

في غزة، الشتاء امتحانٌ للقدرة على النجاة، للبحث عن دفءٍ في أرض بلا جدران، ولحماية أطفال يستيقظون ليجدوا الماء على وسائدهم، والطين عند أقدامهم، والسعال رفيق لياليهم فشتاء غزة بدأ… لكنه لم يبدأ بعد بقسوته كاملة.
وفي الخيام المهترئة التي يحاول أصحابها ترقيعها بالبلاستيك والنايلون، تُكتب الآن فصول جديدة من صراع لا يتوقف… صراع بين عاصفةٍ لا ترحم، وأناسٍ يصرّون على البقاء رغم كل ما فقدوه.

بين المطر والذاكرة

في كل خيمة حكاية، وفي كل قطرة مطر وجعٌ جديد، لكن في كل يدٍ تحاول رفع سقف الخيمة ولو قليلًا، هناك إصرارٌ على أن الحياة في أكثر لحظاتها قسوة لا تُهزم بسهولة.

غزة تستقبل الشتاء بلا جدران… لكنها تستقبله بقلوب تعرف أن البقاء فعل مقاومة، وأن الدفء الحقيقي ليس من نارٍ تُشعل، بل من عزيمةٍ لا تنطفئ.

Share This Story, Choose Your Platform!