الكيان الغاصب على مفترق التحولات الكبرى.. حين تنقلب موازين القوة بعد حرب غزة
لم يخرج الكيان الغاصب من حربه على غزة كما دخلها. فبين رماد المدن المدمّرة هناك، يتكشّف أن تلك الحرب لم تكن مجرد معركة عسكرية عابرة، بل زلزالًا أخلاقيًا يعيد رسم خريطة مكانة الكيان الغاصب في العالم.
حربٌ استُخدمت فيها كل أدوات الإبادة، لكنها أطلقت في المقابل سلسلة تحولات دولية وإقليمية، غيّرت ميزان القوى، وفتحت مرحلة جديدة من العزلة والتصدّع الداخلي.
وأكّد تقرير لمعهد صهيوني مختص بأبحاث الأمن القومي أكّد أن حرب الإبادة على غزة أحدثت تحولًا جوهريًا في مكانة الكيان الغاصب الدولية.
فالكيان الغاصب نفسه يعترف بأن الحرب التي دمّر فيه قطاع غزّة تركت ما هو أبعد من الدمار المادي — إنها أعادت تعريف الكيان في عيون العالم.
عزلة تتسع وشرعية تتآكل
على المستوى الدولي، يشهد الكيان الغاصب تراجعًا غير مسبوق في مكانته. لم يعد قادرًا على فرض سرديته كما اعتاد، ولا على إدارة تحالفاته بذات الثقة القديمة. الغرب، الذي تبنّى روايته لعقود، بات يعيش انقسامًا حقيقيًا داخل مجتمعاته، إذ تصاعدت أصوات الرفض في الجامعات والبرلمانات ووسائل الإعلام، وحتى داخل الأوساط السياسية.
هذا الانكشاف، عرّى الكيان الغاصب. فالعالم أصبح يراه كقوة تمارس الإبادة ضد شعبٍ محاصر منذ عقود.
لكن الأزمة الأخطر ليست في الخارج، بل في الداخل. فالمجتمع داخل الكيان الغاصب يعيش اليوم تفككًا غير مسبوق بين تياراته السياسية والاجتماعية. ما كان يُسمّى “إجماعًا قوميًّا” تلاشى تحت ضغط الانقسامات.
الحرب على غزة عمّقت الشروخ بينهم. الجدل حول “المخطوفين”، وصراع التيارات حول “اليوم التالي”، وحالة الإحباط العام من الفشل، كلها جعلت من الداخل مرآةً للفوضى. لم يعد المجتمع متماسكًا، بل يعيش حالة صدامٍ داخلي مكتوم يتغذى من الخوف وفقدان الثقة.
تحول في الوعي العالمي
التحول الأعمق يكمن في وعي العالم الجديد، فالمجتمعات الأوروبية والغربية عمومًا لم تعد تبتلع خطاب الكيان الغاصب.
في وعي هذا الجيل، ارتسم الكيان الغاصب كقوة غاشمة تحاصر شعبًا أعزل وتقتله. ومن هنا بدأت شرعيته تتآكل، لا في أروقة السياسة فحسب، بل في الضمير الانساني. لقد تحولت غزة إلى مرآة أخلاقية انكشف فيها زيف رواية الاحتلال الذي احتمى بها الغرب لعقود.
اليوم، يقف الكيان الغاصب أمام نفسه. يبحث عن مبررٍ لوجوده بعد أن فقد قدرته على الإقناع. لم تعد الحرب تمنحه الردع، ولا الحلفاء يمنحونه الغطاء الكامل.
كيان في طور الذبول
ليست الهزيمة وحدها ما يهدد الكيان الغاصب، بل التحلل البطيء في بنيته السياسية والاجتماعية والأخلاقية. العالم يتغير، والعزلة تكبر، والمجتمع ينكمش على خوفه.
حرب غزة لم تترك ندبًا في الدم الفلسطيني، على قدر ما فتحت جرحًا في ذات الكيان الغاصب نفسه — جرحًا في الأسطورة التي بُني عليها وجوده.
اليوم، يبدو هذا الكيان كمن يملك السلاح لكنه فقد الرواية، وما بين السلاح والرواية، هناك كيانٌ يترنح على حافة فقدان المعنى.


