ستة آلاف مفقود في غزة وجثامين الأسرى تكشف جرائم تعذيب وإعدام ميدانيستة آلاف مفقود في غزة وجثامين الأسرى تكشف جرائم تعذيب وإعدام ميداني

على سرير الانتظار… غزة تصرخ بأنين الجرحى والمحرومين من العلاج

في غزة، لا يُقاس الوقت بالساعات ولا بالأيام، بل بعدد الأرواح التي تُزهق قبل أن تصل إليها المساعدة. هناك، خلف الركام الذي غطّى المدينة، يعلو أنين الجرحى، وتتحوّل المستشفيات المدمّرة إلى شواهد على جريمةٍ مستمرة، يشارك فيها صمت العالم كما شارك فيها القصف.

غزة اليوم ليست مجرّد عنوانٍ في نشرة الأخبار، بل جرحٌ نازف في ضمير الإنسانية، حيث يستغيث عشرات الآلاف من المصابين في أروقةٍ بلا دواء، وعلى أسرّةٍ بلا أجهزة، ينتظرون نافذةً ضوء من معبرٍ مغلق أو وعدٍ لا يُنفّذ.

 

جرح لا يُحصى وأرقامٌ تفوق التصوّر

المدير العام لوزارة الصحة في غزة، الدكتور منير البرش، يؤكد أن أكثر من 22 ألف مريض بحاجة ماسة إلى العلاج خارج القطاع، في وقتٍ انهارت فيه المنظومة الصحية بفعل استهداف المستشفيات مباشرة وحرمانها من الأجهزة والأدوية والمستلزمات الأساسية.

ويقول البرش في تصريحاتٍ صحفية إن الكيان الغاصب يتلاعب بالاتفاقات ولا يريد تنفيذ ما تمّ التفاهم عليه، فيما نحاول بجهودنا المحدودة ترميم ما تبقّى من مرافق طبية.

المشهد أكثر قسوةً مما يُروى. فالمختبرات الطبية أُحرقت عمدًا، والكادر الطبي لم يسلم من الاستهداف العمد. 1772 شهيدًا من الأطباء والممرضين سقطوا منذ بدء العدوان، في جريمةٍ لم تعرف حتى الآن طريقها إلى المحاسبة.

وبينما تسعى الطواقم القليلة المتبقية لإنقاذ من تبقّى على قيد الحياة، يُحتجز بعض زملائهم داخل سجون الكيان الغاصب، في ظروفٍ تؤكد شهادات رسمية أنها مليئة بالإهانة والتعذيب.

 

جثامين تشهد على الجريمة

وزارة الصحة في غزة أعلنت تسلّم 165 جثمانًا لمعتقلين قضوا في سجون الكيان الغاصب، وجميعها تحمل آثار تعذيبٍ مروّعة وإعدامٍ ميداني، بحسب ما أكده الدكتور البرش، الذي أشار إلى أن الجثامين وصلت مرفقةً بوثائق عبرية تؤكد مصدرها من معتقل “سدي تيمان” في صحراء النقب.

تلك الوثائق، التي كشفتها سابقًا تقارير دولية وصحيفة الغارديان، توثّق ممارسات لا تمتّ للإنسانية بصلة: تقييد الأيدي، تغطية الأعين، ربط الأسرى بأسرة المستشفيات، وإجبارهم على ارتداء الحفاضات، في صورةٍ تجسّد وحشية لا تعرف الحدود.

 

نداء عاجل من منظمة الصحة العالمية

في ظلّ هذا الانهيار الكامل، أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرًا عاجلًا، على لسان مديرة مكتبها الإقليمي الدكتورة حنان بلخي، دعت فيه إلى استغلال وقف إطلاق النار لإجلاء أكثر من 15 ألف مريض ومصاب بحاجة إلى نقلٍ فوري للعلاج خارج غزة.

وأكدت أن خطة المنظمة الطارئة تتركّز على “إعادة تشغيل المستشفيات” وتزويدها بالوقود والإمدادات الحيوية لإنقاذ الأرواح، محذّرةً من أن أي تأخير إضافي سيعني خسارة مئات الأرواح كل يوم.

 

ضمير العالم على المحك

ورغم هذا النزيف المتواصل، لا تزال الأصوات الدولية خافتة. يرى مراقبون أن تجاهل مأساة غزة لا يسقط فقط ضحايا جددًا، بل يُسقط معه ما تبقّى من القيم التي يتغنّى بها العالم.

فحين يُترك الجريح محاصرًا بين الأنقاض، ويُمنع الدواء من الوصول، ويتحوّل المعبر إلى مقصلة، يصبح الصمت تواطؤًا معلنًا. وما زالت الفرصة قائمة، كما تقول منظمة الصحة العالمية، لإنقاذ الآلاف إن وُجدت الإرادة وارتفع الصوت الإنساني فوق الحسابات السياسية.

 

ما بين الحياة والموت… غزة تختار الصمود

في هذا المشهد الرمادي بين الهدنة والموت، تقف غزة كعادتها على حافة الفناء وتقول للعالم: نحن لا نطلب المستحيل، نطلب فقط أن نعيش. بين المستشفيات المهدّمة، تُسمع صيحات الأطباء الذين يعملون بما تبقّى من أدواتهم، وبين الخيام تنتظر الأمهات أبناءهنّ العالقين بين جرحٍ وحصار. ورغم كل شيء، تبقى غزة تنبض بالإصرار، تمسك بالحياة من بين أنقاضها، وتحوّل الألم إلى وعدٍ جديد بالنجاة.

Share This Story, Choose Your Platform!