غزة… من رماد الإبادة تولد الحرية ويُكتب نصر الإرادة
في لحظةٍ امتزج فيها وجع الحصار بدموع الفرح والانتصار، خرجت غزة من بين الرماد لتثبت للعالم أن الإرادة الفلسطينية لا تُهزم. فبعد عامين من الإبادة والحصار والمجازر، وقفت المدينة الجريحة على قدميها مجددًا لتستقبل أبناءها الأسرى المحررين من سجون الكيان الغاصب، في مشهدٍ غامرٍ بالرمزية، أعلن أن غزة التي نزفت طويلًا لا تزال قادرة على الفرح، وأن الحرية تولد من بين الدمار.
احتشدت الحشود في الساحات العامة وأمام مقار الصليب الأحمر والمستشفيات، والأنظار شاخصة نحو لحظةٍ تتحول فيها سنوات القيد إلى عناقٍ طال انتظاره. في شوارعٍ لا تزال تنزف من الحرب، ارتفعت الزغاريد والتكبيرات، وتراقصت الأعلام الفلسطينية على أنقاض البيوت المهدّمة. لم تكن مشاهد التحرير عادية، بل كانت إعلانًا جديدًا أن ما عجزت الحرب عن كسره، جددته غزة بالصبر والإيمان.
حين ظهرت حافلات الأسرى المحررين، عمّ المكان صخب المشاعر، واختلطت الدموع بالضحكات. الأطفال رفعوا صور آبائهم بفرحٍ لا يشبه سواه، والنساء بكت فرحًا فيما وقف الرجال مبهورين أمام لحظةٍ طال انتظارها، يحتضنون العائدين كما لو أنهم يحتضنون الحياة ذاتها بعد زمنٍ طويل من الغياب والموت.
وفي مشهدٍ تجاوز كل ما سبق، كانت غزة تعلن مرة أخرى أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. في الأحياء المدمرة خرج الناس بثيابٍ بسيطة وقلوبٍ كبيرة، وجوههم شاحبة من الجوع والانتظار، لكن بريق الأمل فيها كان أقوى من الرماد. كل طفلٍ يلوّح بيديه كان يعلن أن الجيل الذي نشأ تحت القصف سيكبر على الإصرار، لا على الخوف، وعلى اليقين بأنهم باقون في وطنهم حتى تحريره.
وشكّلت قوائم الأسرى التي أعلنتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ومكتب إعلام الأسرى فصلًا جديدًا من حكاية الصمود الفلسطيني، إذ ضمّت 250 أسيرًا، بينهم 192 محكومون بالسجن المؤبد و25 من أصحاب الأحكام العالية و32 موقوفًا، إلى جانب 1718 أسيرًا من قطاع غزة اعتُقلوا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
لم تكن هذه الأرقام مجرد إحصاءٍ للحرية، بل مرآةً لمعركةٍ طويلة بين إرادةٍ لا تنكسر وسجونٍ لم تنجح يومًا في إخماد صوت أصحابها. ومن بين تلك الأسماء، أعادت غزة صياغة معادلتها الأزلية: الكرامة أولًا، والحرية لا تُستجدى.
وعلى الرغم من أن الحرب أطفأت بيوتًا، إلا أنها لم تطفئ الروح. فغزة التي واجهت المجازر والتجويع والدمار، عادت اليوم لتقول للعالم إنها لا تموت. في وجوه الأسرى العائدين، وفي دموع الأمهات، وفي أهازيج الفرح المترددة بين الركام، كُتبت رسالة واحدة: أن هذه الأرض لا تنحني، وأن أبناءها، مهما طال الأسر أو الضياع، سيبقون صامدين راسخين في ترابهم.