الملتقى العلمائي: لا تفاوض على الحقوق.. دعم للمقاومة وكسر الحصارالملتقى العلمائي: رفضٌ للخطة الأمريكية ودعوة لتصعيد الدعم للمقاومة وكسر الحصار
أوقفوا الإبادة.. عامان على الإبادةأوقفوا الإبادة.. عامان على الإبادة

عامان على الإبادة في غزّة.. حين تتحوّل الأرقام إلى وجعٍ ناطق وصمودٍ يفضح الجريمة

في مثل هذه الأيام قبل عامين، فُتحت على غزّة أبواب جحيمٍ لم تُغلق بعد، حرب الإبادة التي شنّها الكيان الغاصب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لم تكن معركةً عسكرية بقدر ما كانت مشروعًا منظّمًا لاقتلاع الحياة من أرضٍ اسمها فلسطين.

عامان من النار والرماد، من الأشلاء والأنقاض، من الصمت الدولي والعار الإنساني، عامان كتبت فيهما غزة فصلها الأعظم بطولةً رغم أنّه الأشد قسوةً في التاريخ الحديث.

شلال من الدماء لا ينضب

أكثر من 66,000 شهيد فلسطيني ارتقوا خلال عامين، بينهم 28,000 امرأة وفتاة و18,592 طفلًا، بمعدل روح طفلٍ كانت تُزهِق كلّ ساعةٍ في غزّة.

هذه الأرقام لا تصف حربًا، بل إبادةً سافرة تساقطت فيها العائلات كما تتساقط الأوراق في ريحٍ مسمومة، إذ أُبيدت 2,613 عائلة كاملة من السجل المدني دون أن يبقى منها أحد.

القتل لم يستثنِ أحدًا، أمّهات قُتلن وأطفالهن في أحضانهن، رُضّع خرجوا إلى الدنيا للحظات قبل أن تمزقهم القذائف، حتى من حاولوا إنقاذ الأرواح صاروا هدفًا للرصاص، 990 من أفراد الطواقم الطبية و251 صحفيًا قضوا وهم يحملون نداء الحياة أو الحقيقة، إنها لغة الدم وحدها التي تتحدث عن عصرٍ فقدَ ضميره.

تدمير ممنهج… ومدينة تُمحى من الوجود

لم يكتفِ الكيان الغاصب بقتل الإنسان، بل مضى في قتل المكان أيضًا، فأكثر من 125,000 طن من المتفجرات أُلقيت على قطاعٍ لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، ما يعادل ثماني قنابل نووية من حجم قنبلة هيروشيما.

والنتيجة 90% من البنية التحتية في غزة مدمّرة، وخسائر اقتصادية تجاوزت 68 مليار دولار، فيما تراكم 61 مليون طن من الركام غطّت ملامح المدينة بالكامل.

أكثر من 1.9 مليون نازح يعيشون اليوم على فتات الخبز وماء ملوّث، تحت خيامٍ مهترئة أو بين أنقاض بيوتهم، لكن المفارقة أنَّ بين الركام نبتت إرادة لا تُكسر، فغزة التي يُراد لها أن تُمحى ما تزال تنبض بالحياة، تبني أكواخًا من أنقاضها، وتكتب على جدرانها: “لن نغادر.”

 

التعليم تحت القصف

في مدارس غزة، صار عنوان الدرس اليومي “كيف تنجو من الموت؟”، فقد تمّ تدمير 137 مدرسة وجامعة كليًا وتضرّرت 357 مدرسة جزئيًا، أي إنّ 90% من مؤسسات التعليم لم تعد صالحة للاستخدام.

والنتيجة المفزعة 18,000 طالب مدرسة و1,300 طالب جامعي استُشهدوا، إضافةً إلى أكثر من ألف معلم. جيلٌ كامل يُقتل أو يُهجّر أو يُدفن تحت الركام قبل أن يعرف الحروف.

 

انهيار القطاع الصحي وتجويع حتى الموت

في مشافي غزة، تتجلى الإبادة بأبشع صورها. 38 مستشفى دُمّرت كليًا أو جزئيًا، و60 سيارة إسعاف سُحقت تحت القصف، و28 مستشفى خرجت عن الخدمة، فيما سقط 990 طبيبًا ومسعفًا شهداء الواجب الإنساني.

تعمل المستشفيات الباقية بلا كهرباء أو دواء، تُجرى فيها العمليات الجراحية على ضوء الهواتف المحمولة، ومع اشتداد الحصار والتجويع اكتملت فصول الجريمة: أعلنت الأمم المتحدة دخول غزة في حالة مجاعة أواخر 2024، بعدما استُشهد 459 فلسطينيًا من الجوع، بينهم 154 طفلًا.

إنه سلاح الإبادة الصامت، الذي لا يُصدر صوت انفجار لكنه يقتل بالقسوة ذاتها، ورغم ذلك، ما تزال غزة تداوي جراحها بإرادةٍ لا تُهزم؛ أطباؤها يعملون بلا أجور ولا معدات، وناسها يتقاسمون اللقمة والماء بنصف ابتسامة لا تنكسر.

 

العالم بين عجزٍ رسمي وصحوة شعبية

عامان من القتل الموثّق والمجازر اليومية، والعالم الرسمي لا يزال في موقع المتفرّج، قرارات أممية تُخرق، ومناشدات تُدفن في أدراج الفيتو، فيما يستمر الكيان الغاصب بالقتل متظللاً بغطاء غربي.

لكن، وعلى النقيض، تشهد الساحات العالمية أوسع حراك شعبي في التاريخ الحديث: من نيويورك إلى جاكرتا، ومن مدريد إلى الرباط، خرجت ملايين الأصوات تهتف لغزّة وتدين الإبادة.

لقد انقسم العالم إلى معسكرين واضحين: معسكر إنساني يقف مع الضحية، ومعسكر يغضّ الطرف عن القاتل.

 

غزة… ذاكرة الألم وضمير الإنسانية

بعد عامين من الإبادة، لم تنكسر غزة، بل تحوّلت إلى رمزٍ كونيٍّ للثبات، وإلى ضميرٍ حيّ يفضح نفاق العالم، الاحتلال فشل في كسرها، لأن من يحيا على الإيمان لا يُهزم بالقنابل.

كلّ بيتٍ مهدوم فيها شاهدٌ على الجريمة، وكلّ طفلٍ نجا من تحت الركام شاهدٌ على الحياة، اليوم، دماء الشهداء ليست أرقامًا، بل ملفات اتهام مفتوحة في محاكم التاريخ والعدالة.

الكيان الغاصب يواجه دعاوى إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية، ومذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق قادته، بينما الشعوب الحرّة ترفع صور غزة في وجه العالم قائلة: “لن تُنسى.”

غزة اليوم ليست ضحية فحسب، بل معلّمٌ للبشرية في معنى الصمود، تحمل جراحها بصبرٍ لا ينكسر، وتنهض من الركام لتقول للعالم:

“أنا هنا… ما زلتُ على قيد الحياة، وما زال الأمل يولد من تحت الركام”.

Share This Story, Choose Your Platform!