تشهد عواصم العالم منذ أسابيع موجة احتجاجات غير مسبوقة دعماً لفلسطين ورفضاً للحرب الدائرة في غزة. ومع تصاعد العدوان على غزّة والحصار والتجويع، باتت شوارع المدن الأوروبية والغربية تعجّ بمسيرات تضامنية رفعت الأعلام الفلسطينية وهتفت بوقف العدوان ورفع الحصار، حتى بات هدير الشارع يفرض حضوره مباشرة على دوائر صنع القرار.

في أمستردام وباريس ومانشستر وبرلين، كما في طنجة وأوكلاند وطوكيو، خرجت حشود ضخمة تطالب بإنهاء حرب الإبادة وتجويع المدنيين. حتى الأمطار لم توقف مظاهرة غوتنبرغ السويدية، فيما تسلّق ناشطون قمة أوليمبوس في اليونان ليرفعوا العلم الفلسطيني. هذه التحركات، الممتدة من أوروبا إلى آسيا وأوقيانوسيا، أضحت ورقة ضغط حقيقية على الحكومات الغربية.

تحت هذا الزخم الشعبي، ارتفعت لهجة المسؤولين في أكثر من عاصمة أوروبية. ففي بلجيكا، أعلن رئيس الوزراء بارت دي ويفر أنّ بلاده ستدعم أي عقوبات يقترحها الاتحاد الأوروبي على الكيان الغاصب من دون نقاش. واستشهد دي ويفر باستطلاعات أظهرت أنّ أكثر من نصف البلجيكيين يؤيدون فرض عقوبات اقتصادية على الكيان الغاصب، معتبراً أنّ الغضب الشعبي كان دافعاً أساسياً لهذا التحول.

الموقف الأكثر حدّة جاء من إيرلندا، حيث دعا الرئيس مايكل دانييل هيجينز إلى استبعاد الكيان الغاصب وأي دول تزوّدها بالسلاح من عضوية الأمم المتحدة، مستنداً إلى تقرير أممي حديث يؤكد ارتكاب الكيان الغاصب جرائم إبادة جماعية في غزة. وانتقد هيجينز صمت بعض العواصم الأوروبية إزاء صور الأطفال المهددين بالموت جوعاً، معتبراً أنّ السكوت تقويض لمصداقية الاتحاد الأوروبي.

الضغط الشعبي انعكس أيضاً على الدنمارك التي شهدت دعوات من أحزاب المعارضة للاعتراف بفلسطين ووقف تصدير المكوّنات العسكرية للكيان الغاصب، فيما أكد وزير الخارجية لارس لوكه راسموسن أنّ بلاده باتت أكثر تشدداً وتدفع داخل الاتحاد الأوروبي لتعليق اتفاقية الشراكة مع الكيان الغاصب. وفي إسبانيا، طالب وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس بفرض حظر أوروبي على توريد السلاح للكيان الغاصب وتعليق اتفاقية الشراكة، وهي مواقف كانت قبل أشهر غير مطروحة للنقاش.

التحولات لم تقتصر على أوروبا. ففي نيوزيلندا، دفعت أضخم مسيرة مؤيدة لفلسطين في تاريخ البلاد رئيس الوزراء كريستوفر لوكسون إلى وصف أفعال الكيان الغاصب  بأنها شائنة تماماً، معلناً أن حكومته تدرس الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.

هذه الموجة العالمية أفرزت أيضاً توجهاً متنامياً داخل الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى – بينها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا – للاعتراف بدولة فلسطين في اجتماعات الأمم المتحدة المقبلة.

هكذا يتحول صوت الشارع إلى قوة سياسية مؤثرة، يدفع الحكومات إلى تغيير بعض المواقف تجاه الكيان الغاصب. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات واستمرار المأساة في غزة، يتضح أن الجماهير لم تعد مجرد متفرج، بل صارت لاعباً أساسياً يغيّر لغة الدبلوماسية الغربية ويفرض عليها مقاربة جديدة لحرب الإبادة التي تجري في غزّة.