شهدت مدينة كربلاء ختام فعاليات مؤتمر نداء الأقصى الدولي الرابع، تحت شعار: “من كربلاء إلى فلسطين: مسيرة التضحية من أجل الحرية والكرامة والانتصار”، بمشاركة شخصيات دينية وسياسية وفكرية من أكثر من 30 دولة، حملت إلى العالم صرخة ضمير حيّة في وجه الظلم والإبادة المستمرة في غزة.

في هذا الملتقى الروحي والسياسي العميق، تحوّلت كلمات الضيوف إلى مرآة حقيقية لأوجاع غزة، وبيان مقاوم في وجه التخاذل الدولي، حيث توحدت الأصوات، رغم اختلاف اللغات والخلفيات، لتعلن أن فلسطين الجريحة هي صوت الحق العالمي في مواجهة الظلم والطغيان.

غزة ليست قضيةً عابرة… بل كربلاء العصر

وفي كلمة مؤثرة، قال الدكتور الفلسطيني محيي الدين الطهراوي: “جئتكم لا زائراً بل شاهداً على الألم… أكثر من 60 شهيداً من عائلتي وحدها سقطوا تحت قصف العدو، وغزة اليوم ليست كارثة إنسانية عابرة، بل مشروع إبادة ممنهجة تُرتكب على مرأى العالم، وتحت غطاء دولي مخزٍ.”

وأضاف: “غزة كربلاء العصر، وصبر نسائها صبر زينب، ودماء أطفالها امتداد لدم الحسين.”

أما الطبيب الجراح الدكتور محمد طاهر، الذي خدم في غزة خلال الحرب، فقد ألقى كلمة وصف فيها مشاهداته قائلاً:

“كنتُ في غزة أستأصل الشظايا من أجساد الأطفال، وأسمع صرخاتهم تحت الركام، وأبتر أطرافهم، وأبكي في صمت… لكنني شعرت بنبض نداء الحسين يخترق قلبي: (هل من ناصر ينصرنا؟)”

وأضاف: “غزة ليست مأساة، بل جبهة كربلاء، والوقوف معها ليس عاطفة، بل موقف ديني ورسالي ووجودي.”

غزة تصرخ… والعالم يتجاهل

من جهته، قال الناشط الفلسطيني أحمد البرغوثي: إن غزة، هذه المدينة الصغيرة المحاصرة، باتت رمزاً للمعاناة والصمود في وجه الظلم.

تحت القصف والجوع والدمار، تصرخ غزة، لكن العالم لا يسمع، أو يتجاهل. ما زالت البيانات تُصاغ، والشعارات تُرفع، والوجوه تُقطّب استنكاراً، ثم لا شيء.

الشعوب تهتف، والأنظمة تندّد، لكن أطفال غزة يُدفنون في صمت، وبيوتها تُهدم دون ردّ فعلٍ حقيقي.

طوفان الأقصى كشف الأقنعة وأسقط الزيف

من جانبه، وجّه الشيخ أبو الأنوار محمد جرمه خاطر رسالة مدوية قال فيها: “نداء الأقصى أقدس من كل مؤتمرات العار، وطوفان 7 أكتوبر كشف الزيف، وأسقط الأقنعة المزيفة التي كانت تتستر بلباس الإنسانية والسياسة.”

وأضاف: “المقاومة ليست خياراً سياسياً، بل هي عين الحق، ومن لم ينصرها فهو في صف الباطل صراحة.”

من روسيا… دعوة لتوحيد الصفوف ورفض التطبيع

بدوره، شدد رئيس الإدارة الدينية لمسلمي القسم الآسيوي من روسيا الاتحادية، الشيخ يونس عشيروف، على أن القضية الفلسطينية تمثّل امتحاناً للضمير العالمي، وأن الواجب الشرعي والإنساني يفرض توحيد القوى الرافضة للاحتلال، ورفض كل أشكال التطبيع.

ودعا إلى مبادرات عملية دائمة لدعم التعليم والصحة والإغاثة، وتحريك الرأي العام العالمي لكسر الحصار، وتعرية الاحتلال إعلامياً وقانونياً.

أما النائب التركي دوغان بيكين، فقد أكد أن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية صريحة، يرتكبها الكيان الغاصب بدعم أميركي مباشر، بينما يصمت حكام العرب والمسلمين.

وقال: “فلسطين تُنتزع من بين أيدينا، وصوت أطفال غزة المحاصرين وصل اليوم إلى كربلاء، ليعلن أن المقاومة هي مفتاح العودة والتحرير.”

من باكستان: كربلاء وفلسطين صورة واحدة في وجه الطغيان

وتحدث رئيس نقابة محامي المحكمة العليا في باكستان، المحامي محمد سرفراز ميتلو، عن الربط العميق بين تضحيات كربلاء وصمود فلسطين، وأن المقاومة من أجل المسجد الأقصى اليوم، هي استمرار حي لرسالة الإمام الحسين في الدفاع عن المظلومين مهما كان الثمن.

وقال: “رحلتنا من كربلاء إلى فلسطين محفوفة بالتضحيات، لكنها ضرورية لاسترداد الكرامة.”

دار الإفتاء العراقية: من يصمت شريك في الجريمة

من جهته، ألقى الشيخ عامر البياتي كلمة الأمانة العامة لدار الإفتاء العراقية، خاطب فيها الأمة الإسلامية قائلاً: “من يذبحُ غزة هم أولئك الذين يضعون سكاكينهم بيد الصهاينة ويسكتون عن مجازر غزة، فليعلموا أن صمتهم محطّ سؤال أمام الله.”

من الصين… تضامن الشعوب الحيّة لا يُقهر

من جهته، أرسل الناشط الصيني لي شيو هين، ممثل منظمة “بايدا للإغاثة”، رسالة تضامن من قلب الصين، مؤكدًا أن الجرح الواحد هو جرح الجميع، وأن غزة تُباد أمام مرأى العالم بأدوات أميركية وصهيونية.

وأشار إلى نماذج بطولية لمتضامنين عالميين – من الصين إلى نيويورك – يقاومون الحصار والدعاية، ويدعمون غزة رغم المخاطر.

صوت الفن… صمود الشعب الفلسطيني

وقدّم الفنان الفلسطيني وليد سعد الدين فقرة فنية معبّرة، جسدت واقع الشعب الفلسطيني ومعاناته في ظل حرب الإبادة المستمرة التي ينفذها الكيان الغاصب وسط صمت دولي مريب، مؤكداً على صمود الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم حتى تحقيق النصر الشامل.

ختام الجلسة: التحالف المقاوم يبدأ من كربلاء

وفي ختام الجلسة، أكد المتحدثون أن الاجتماع في كربلاء لم يكن فعالية عابرة، بل تأسيساً لتحالف روحي وميداني مقاوم، يربط بين كربلاء الحسين وفلسطين، بين المبدأ والواقع، بين الصرخة والتضحية.

وقد توحدت الأصوات على أن نصرة فلسطين واجب، والمقاومة حق، والتطبيع خيانة، والصمت تواطؤ، والتاريخ لن يرحم المتقاعسين.