في ظهيرة يومٍ خانق، وتحديدًا قرب مستشفى الصليب الأحمر الميداني في غرب خان يونس، لم يكن الدكتور مروان الهمص يدرك أن مهمته الطبية الاعتيادية ستكون آخر محطة حريّة له.

فقد داهمته قوة للكيان الغاصب، فتحت النار على مدنيين كانوا يجلسون في كافتيريا قرب المستشفى، لترتقي أرواح اثنين منهم، ويُصاب سائق سيارة الإسعاف، ويُختطف الدكتور الهمص، مدير مستشفى أبو يوسف النجار والمكلف بإدارة ملف المستشفيات الميدانية، والمتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، ويُقتاد إلى جهة مجهولة.

ما حدث يُعدُّ انتهاكاً وقحاً لكل القوانين والأعراف، جريمة تتجاوز حدود المعقول حين تُوجَّه فوهات البنادق نحو من يفترض أن تُحمى مهماتهم بالضمير الإنساني قبل النصوص الدولية… فالطواقم الطبية باتت هدفًا مباشرًا للكيان الغاصب.

وزارة الصحة في غزة وصفت اختطاف الدكتور الهمص بأنه “استهداف مباشر لصوت المرضى والجوعى”، مؤكدة أن الهدف من هذه الجريمة هو “إسكات الحقيقة وحجب معاناة الشعب الفلسطيني”.

وأكدت الوزارة أن هذا الاعتداء يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقيات جنيف التي تحمي العاملين في المجال الطبي، وطالبت بالإفراج الفوري عنه دون قيد أو شرط.

في السياق ذاته، عبّر المكتب الإعلامي الحكومي عن قلقه العميق حيال مصير الدكتور الهمص، محذرًا من أن اختطافه يُعد “جريمة حرب مكتملة الأركان”، خاصة أن العملية استهدفت سيارة إسعاف وأدّت إلى مقتل أحد مرافقيه وإصابة آخرين.

الصور التي بدأت تنتشر تدريجيًا من موقع الحادث، ومن بينها مشهد الكافتيريا المدمّرة وآثار الدماء على الأرض، تعيد إلى الأذهان لحظة اختطاف الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية قبل أشهر من داخل مستشفى كمال عدوان، وهو يرتدي معطفه الأبيض ويسير وحيدًا وسط الأنقاض.

وقصة الدكتور الهمص لم تكن استثناءً، بل امتدادًا مأساويًا لسلسلة الاستهداف. لقد كان صوته اليومي يجسّد وجع آلاف المرضى، ووجهًا إنسانيًا ينقل للعالم كيف يموت الأطفال جوعًا، وكيف تختنق المستشفيات دون وقود أو دواء. لم يكن صوته سياسيًا، بل طبيًا، إنسانيًا، صادقًا حتى العظم.

هذا الاعتداء يعكس ما هو أبعد من الاستهداف الفردي. إنه محاولة لطمس الشهود، وتجريد غزة من منابرها الطبية، ومن الأصوات التي ترفع تقارير الألم بدلًا من السلاح.

في ظل صمت دولي ثقيل، يبقى مصير الدكتور مروان الهمص معلقًا، فيما يترقّب مرضاه ورفاقه عودته، لا ليشرح المأساة من جديد، بل ليكون هو ذاته شهادة حيّة على استهداف الحق في الحياة، والحق في أن يضمد طبيب جراحًا لا تصنعها إلا الحروب.