في مشهدٍ جديد من مسلسل الانتهاكات، لم تعد الاعتداءات تقتصر على البشر والمنازل، بل امتدّت لتطال الشجر والماء، في سياسة ممنهجة تهدف إلى تجفيف مقومات الصمود الفلسطيني وتدمير البنية التحتية للحياة اليومية.
اجتثاث الأرض.. مستعمرون يقطعون الزيتون
ففي قرية جلبون، شرق مدينة جنين، أقدم مستعمرون، اليوم الإثنين، على قطع عشرات أشجار الزيتون في الجهة الجنوبية الشرقية من القرية، تحت حماية مباشرة من قوات الكيان الغاصب، بحسب ما أكده رئيس مجلس قروي جلبون، إبراهيم أبو الرب.
الذي أشار إلى أن الاعتداء وقع على مساحة تُقدّر بـ130 دونمًا تقع قرب جدار الفصل والتوسع العنصري، وهي منطقة يمنع الكيان الغاصب الأهالي من الوصول إليها، ما يسهل للمستعمرين تنفيذ جرائمهم دون حسيب أو رقيب.
الزيتون في فلسطين ليس مجرد شجرة، بل رمز للصمود والهوية، وتدميره يمثل هجومًا على الذاكرة الجماعية والارتباط بالأرض.
وتأتي هذه الجريمة في سياق واسع من استهداف الأراضي الزراعية، في محاولة مستمرة لدفع الفلسطينيين نحو اليأس والتهجير القسري.
حصار المياه.. اعتداءات المستعمرين تُخرج عين سامية عن الخدمة
وفي جريمة موازية تحمل أبعادًا كارثية، أعلنت مصلحة مياه القدس، اليوم الإثنين، عن توقف الضخ بالكامل من آبار ومحطات المياه في منطقة عين سامية، شرق كفر مالك، شمال شرق رام الله، نتيجة تصاعد الاعتداءات الاستيطانية على المنشآت والمرافق الحيوية.
الاعتداءات استهدفت بشكل مباشر شبكات الكهرباء، معدات الضخ، أنظمة الاتصالات وكاميرات المراقبة، ما أدى إلى فقدان السيطرة التقنية والإدارية الكاملة على المنظومة المائية، وفق بيان رسمي صدر عن المصلحة.
ويعني هذا التوقف شللاً تامًا في الإمداد المائي إلى أكثر من 70 ألف فلسطيني في شمال وشرق محافظة رام الله والبيرة، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية تلوح في الأفق، قد تحرم هؤلاء من حقهم الأساسي في المياه.
عين سامية… هدف استيطاني ممنهج
عين سامية ليست مصدرًا مائيًا عابرًا، بل تُعد من أهم مصادر المياه الجوفية في المنطقة، وتضم 5 آبار مياه عاملة تتراوح أعماقها بين 100 و500 متر، بإجمالي إنتاج يصل إلى12,000 متر مكعب يوميًا، أي ما يعادل 17% من الإمدادات اليومية لمصلحة مياه القدس.
تغذي هذه الآبار19 تجمعًا سكانيًا بشكل مباشر، من أبرزها: دير دبوان، كفر مالك، سلواد، الطيبة، المزرعة الشرقية، المغير، ترمسعيا، وسنجل، فضلًا عن14 تجمعًا إضافيًا بشكل مشترك من خلال محطة رام الله، بما في ذلك: بيرزيت، مخيم الجلزون، أبو قش، وكوبر. ويُقدّر عدد المستفيدين من مياه عين سامية بنحو 110,000 مواطن فلسطيني.
مناشدة عاجلة وحاجة لحماية دولية
أمام هذا الوضع الخطير، ناشدت مصلحة مياه القدس الجهات الرسمية والحقوقية المحلية والدولية بالتدخل العاجل لوقف هذه الاعتداءات، مطالبةً بتوفير حماية دولية للمصادر المائية الفلسطينية، والضغط الحقيقي لوقف سياسة التخريب الممنهجة التي تهدد الأمن المائي لمئات الآلاف من الفلسطينيين.
ما يجري اليوم في الضفة الغربية هو حرب صامتة، تستهدف مصادر الحياة، ويُمارس فيها الكيان الغاصب نوعًا من العقاب الجماعي، عبر أدوات التخريب والحرمان الممنهج. تقطع الزيتون وتُجفّف المياه، في محاولة لاقتلاع الإنسان من أرضه بحرمانه من أهم مقومات البقاء.
هي ليست مجرد انتهاكات متفرقة، بل ممارسات تصبّ في إطار أوسع من التطهير البيئي والبشري، تستهدف الإنسان الفلسطيني في أرضه، ومائه، وهوائه.
ويبقى السؤال.. إلى متى سيبقى العالم يتفرّج على هذه الجرائم دون موقف يُعيد لفلسطين بعضًا من عدالتها المسلوبة؟
اضف تعليقا