في غزة، حيث تختلط صرخات الولادة بأصوات الانفجارات، تقف أكثر من خمسين ألف امرأة حامل في مواجهة يومية مع الموت، وسط حرب لا تفرّق بين الحياة والخراب. الرقم يكاد يتساوى مع عدد الشهداء الذين ارتقوا منذ 7 أكتوبر 2023، في مفارقة دامية تُلخّص معاناة شعب يُلاحَق حتى في أكثر لحظاته إنسانية. الحمل في غزة لم يعد حدثًا بيولوجيًا طبيعيًا، بل تحوّل إلى فعل مقاومة، إذ تقاتل المرأة الفلسطينية على جبهتين: جبهة الأمومة، وجبهة البقاء.

ورغم هذا المشهد البطولي، فإن الواقع الطبي والإنساني يشي بكارثة متفاقمة. عشرات النساء يجهضن يوميًا نتيجة القصف، أو من شدة الخوف والضغط النفسي، في ظل غياب الرعاية الصحية الأساسية. المستشفيات، التي بالكاد تستقبل الجرحى، لم تعد قادرة على استقبال النساء الحوامل أو تأمين غرف ولادة آمنة، ناهيك عن النقص الحاد في الأدوية وأجهزة الحاضنات. كثير من النساء يُجبرن على الولادة في البيوت أو تحت الركام، دون أي ضمانة للنجاة.

أما بعد الولادة، فتبدأ معركة جديدة: الرضاعة الطبيعية تواجه تحديات غير مسبوقة، إذ تعاني الأمهات من سوء تغذية حاد يمنع أجسادهن من إنتاج الحليب الكافي لأطفالهن. انقطاع الطعام والماء، والخوف المزمن، يدمران صحة الأم والطفل معًا، في وقت يغيب فيه الدعم الصحي والغذائي بشكل شبه كامل. الأطفال حديثو الولادة لا يجدون ما يسدّ رمقهم، بينما تصارع أمهاتهم للبقاء على قيد الحياة جسديًا ونفسيًا.

في قلب هذه المأساة، لا تُعامل المرأة الفلسطينية كضحية فحسب، بل كجدار أخير يحمي الحياة من السقوط. لكن هذا الجدار يئنّ، يضعف، ويُترك وحده في مواجهة كارثة إنسانية تتعمّق كل يوم. إن إنقاذ الأمهات والأطفال في غزة لم يعد مجرّد واجب إنساني، بل ضرورة وجودية لوقف انهيار جيل كامل، يُولد تحت النار، ويُفطم على مشهد الشهداء والأنقاض.