في غزة، لم يعد القصف حدثًا استثنائيًا، بل بات تفصيلًا يوميًا في حياة مدينة تُحاصر بين الحصار والموت. ومع كل صباح، ينهض القطاع على مجازر جديدة، وكل مساء يودّع فيه من تبقّى شهداء جدد.

اليوم، ارتُكبت جريمة تقف اللغة عاجزة أمام وصفها. لم تستهدف موقعًا عسكريًا، ولا ما يُسمّى “بنية تحتية”… بل كانت الضربة موجهة نحو نقطة طبية، وسط القطاع، حيث تجمّع أطفال ونساء للحصول على مكملات غذائية وعلاجية، في محاولة للبقاء على قيد الحياة وسط الجوع والتجويع.

لكن قنابل الموت كانت أسرع من تلك الجرعات، وأقسى من الحاجة، هناك، عند باب تلك النقطة، سقط 15 شهيدًا، بينهم 10 أطفال و3 نساء، وأصيب آخرون بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، في مشهد يصعب وصفه إلا بأنه تعمّد صارخ لاستهداف الأبرياء.

الكيان الغاصب في هذه المجزرة، لم يقتل فقط أجسادًا نحيلة أضعفها الجوع، بل اغتال أيضًا المعنى الإنساني لكل ما هو طبي، لكل ما هو طفولي، لكل ما هو حيّ. فاستهداف منشأة إنسانية تقدم الرعاية في ظل مجاعة محاصرة، هو جريمة مكتملة الأركان وانتهاك فاضح لكل القوانين الدولية.

المجزرة ليست معزولة. منذ فجر اليوم فقط، ارتُكب أكثر من مجزرة، وسقط خلالها 47 شهيدًا في مناطق متفرقة من القطاع، بحسب ما أعلنه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. والمأساة مستمرة.

منذ أكتوبر 2023، تتعرض غزة لإبادة جماعية، حصدت أكثر من 195 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى ما يفوق 10 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة باتت تُزهق الأرواح أمام عدسات الصمت العالمي.

غزة لا تنزف فقط، بل تُذبح يوميًا. والمجتمع الدولي، بدل أن يصرخ في وجه الجريمة، ما زال صامتًا، كأن الدم لا يعنيه، وكأن الأطفال ليسوا بشرًا.