شهدت العاصمة النمساوية فيينا انعقاد أول مؤتمر يهودي دولي مناهض للصهيونية، بمشاركة حوالي 500 شخصية من جميع أنحاء العالم.
جاء المؤتمر، الذي عُقد في منتصف يونيو/حزيران 2025، ليكسر احتكار الحركة الصهيونية لتمثيل اليهود عالميًا، وليؤكد أن الكيان الغاصب لا يمكنه ادعاء تمثيل جميع يهود العالم.
ويُنظر إلى هذا الحدث غير المسبوق على أنه دعم معنوي وسياسي مهم للنضال الفلسطيني، إذ جاء بصوت يهودي من داخل المجتمع الذي تدّعي الصهيونية تمثيله.
تنظيم المؤتمر وخلفياته
نُظِّم المؤتمر من قبل منظمة “من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في فلسطين”، وهي منظمة نمساوية معروفة بمواقفها المناهضة للصهيونية والإمبريالية.
كما شارك في التنظيم نشطاء يهود محليون ضمن مبادرات مناهضة للصهيونية في فيينا، إلى جانب شبكات يهودية داعمة لفلسطين من أوروبا وأميركا.
اختيرت فيينا موقعًا للمؤتمر لدلالتها الرمزية بوصفها مهد الصهيونية؛ ففي هذه المدينة نشر تيودور هرتزل كتابه “دولة اليهود” عام 1896، أما اليوم فهي تشهد ولادة جبهة يهودية تعلن رفض الصهيونية من المكان نفسه.
عُقد المؤتمر في ظل تصاعد عدوان الكيان الغاصب على غزة، وهو ما اعتبره المنظمون دافعًا رئيسيًا لعقده بصورة عاجلة. كما جاء أيضًا ردًا على محاولات في النمسا وأوروبا لإسكات الأصوات المتضامنة مع فلسطين بذريعة “معاداة السامية”، حيث سعى المشاركون إلى إثبات أن انتقاد الصهيونية ليس معاداة لليهود.
أبرز مخرجات المؤتمر وبيان فيينا
صدر عن المؤتمر “إعلان فيينا” الذي صاغ رؤية جذرية وواضحة، حيث أكد الإعلان رفض ادعاء الصهيونية تمثيل اليهودية، وأدان استخدام الديانة اليهودية أداةً لتبرير الاستعمار والفصل العنصري والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وشدد المشاركون على أن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية، بل إن الصهيونية تُعد تهديدًا للأخلاق والقيم اليهودية. ودعا المؤتمر إلى تفكيك النظام الصهيوني بوصفه نظامًا عنصريًا استعمارياً لا يمكن إصلاحه، بل يجب إزالته بالكامل.
وتبنى المؤتمر سلسلة من المطالب والتوصيات دعمًا لحقوق الفلسطينيين، من أبرزها:
- عزل الكيان الغاصب ومقاطعته دوليًا: دعا المشاركون إلى تعليق عضوية الكيان الغاصب في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإعادة تفعيل جميع أشكال المقاطعة (الأكاديمية والثقافية وغيرها) بحق مؤسسات الكيان الغاصب، مشيرين إلى أن حملة المقاطعة العالمية (BDS) باتت تحظى بإسناد يهودي دولي ملموس.
- محاكمة مرتكبي الجرائم: طالب المؤتمر بملاحقة الكيان الغاصب وقادته أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مع اقتراح توسيع تعريف هذه الجرائم ليشمل جرائم الاستعمار والحصار.
- حق العودة والدولة الديمقراطية: جدد المؤتمر دعمه لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم باعتباره ركيزة للعدالة التاريخية، كما طرح رؤية لقيام دولة ديمقراطية واحدة على كامل أرض فلسطين التاريخية تجمع جميع سكانها بعد إنهاء نظام الفصل العنصري.
وأكد المؤتمر أيضًا مشروعية المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها. فقد اعتبر المشاركون أن نضال الفلسطينيين هو كفاح تحرري ضد نظام استعمار عنصري.
كما ندد بشدة بالدعم الغربي غير المشروط للكيان الغاصب – خاصة الدور الأميركي والألماني – واعتبر قمع التضامن مع فلسطين بذريعة مكافحة معاداة السامية تواطؤًا مخزيًا يضفي شرعية على جرائم الكيان الغاصب بحق الفلسطينيين.
مشاهد بارزة وتحالف يهودي-فلسطيني ناشئ
على مدار ثلاثة أيام، اعتلى منصة المؤتمر متحدثون يهود وفلسطينيون بارزون، في مقدمتهم المؤرخ اليهودي إيلان بابيه والباحث الفلسطيني سلمان أبو ستّة وآخرون، ووصفوا الكيان الغاصب بأنه نظام فصل عنصري واستعمار استيطاني كـنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
عدد من الناجين من المحرقة النازية الذين شاركوا في المؤتمر أكدوا أنه لا يجوز الصمت على الفظائع المرتكبة باسم اليهود، كما أكد حاخامات يهود أرثوذكس أن تعاليم اليهودية تفرض مناصرة المظلومين.
وفي إحدى اللحظات المؤثرة، قامت سيدة يهودية نمساوية تبلغ 91 عامًا – وهي ناجية من الهولوكوست – بغناء النشيد الوطني الفلسطيني “موطني” بالعربية مع الحضور تضامنًا مع غزة.
بهذه الرسائل والمواقف غير المسبوقة، رسّخ المؤتمر سابقة تاريخية تؤكد أن الصهيونية لا تحتكر الصوت اليهودي، وأن اليهودية الحقة تنتصر لقيم العدالة وحقوق الإنسان برفض توظيفها في خدمة الظلم والاستعمار.
يؤسس هذا الحدث لتحالف يهودي-فلسطيني يسعى إلى إسقاط نظام الأبارتهايد الإسرائيلي وبناء مستقبل مشترك قائم على الحرية والكرامة للجميع.
اضف تعليقا