مقدمة قصيرة

لعب الصهيوني هيرتسل في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دوراً رئيساً في خلق دولة يهودية في فلسطين.

اجتمعت 7 دول استعمارية في لندن/ بريطانيا في مؤتمر كامبل. هدفه البحث عن تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية. كان بمثابة مفتاح النكبة الفلسطينية.

هدف القرار الأول هو الاستعمار ونهب ثروات الشرق الأوسط. على أن يبتدئ بسحق الشعب الفلسطيني وتاريخه وحضارته وإرثه وحقوقه وإنسانيته، ويطمح لفتح أبواب نكبات على جميع الدول العربية.

غزت فلسطين موجات من اللاجئين اليهود والمتهودين منذ بداية القرن العشرين وخاصة بعد وعد بلفور الوزير البريطاني الذي وعد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يوم 2 نوفمبر 1917.

كانت ترافق هؤلاء مجموعات وعصابات مسلحة مثل شتيرن والأراغون والهجاناه وبالماخ واتسل وليحي اعتمدوا اقتراف الجريمة والخوف سبيلاً لاستعمارهم وغزوتهم. أوقعوا بالفلسطينيين مذابح وجرائم حرب وضد الإنسانية بلغت العشرات. نذكر بعضاً منها هنا:

  1. مجزرة حيفا سنة 1937
  2. مجزرة القدس سنة 1937
  3. مجزرة حيفا سنة 1938
  4. مجزرة بلد الشيخ سنة 1939
  5. مجزرة العباسية 1947
  6. مجزرة الخصاص سنة 1947
  7. مجزرة باب العامود سنة 1947
  8. مجزرة الشيخ بريك سنة 1947
  9. مجزرة قرية أبو شوشة سنة 1948
  10. مجزرة الطنطورة 1948

توالت المذابح في دير ياسين وبعدها.

أثر هذه المجازر

اول أثر كان: الهروب والهجرة داخل الوطن وخارجه للشعب الفلسطيني من مدنه وقراه تاركاً وراءه ماله وأراضيه وتاريخه وقبور أهله وأصدقائه وأهله وذكرياته وأفراحه وأحزانه لا يحمل إلا مِفْتاح بيته وأَمَلاً في قرارة نفسه بالعودة. وحين دخل هؤلاء المدن والقرى الفلسطينية أوقعوا عليها آثارا لا تمحى. نذكر من هذه الأثار غيضاً من فيض:

1- لم يجدوا بيوتاً فارغة للإيجار وما كان معهم خيام فسكنوا في العراء تحت كل الظروف المأساوية. بذلك استولوا على أراضي أصحاب القرية.

2- عانوا من البرد واحتاجوا الى التدفئة فأخذوا يعتدون على البيئة من كسر للشجر واجتثاث للبلوط والقُنْدِيل والنَّتْش.

3- عانوا من الفقر فأخذوا يسرقون الثمار والمحاصيل والبيوت.

4- عانوا من العطش فاستولوا على ينابيع المياه وهكذا صار أهل القرية يصطفون في طوابير على نبعة الماء ليأخذوا جَرَّة في اليوم إن استطاعوا.

5- لم يجدوا مدارس لاستيعابهم فبدأت الأمّيّة تنتشر وصار الأطفال يتجولون في الشوارع والبساتين وابتدأت المشاكل العائلية.

6- أطفال القرية – في موسم الشتاء- أجبرهم اللاجئون على الخروج من مدارسهم لإيواء الناس في غرف المدرسة.

7- انتشر الخوف في القرى من وجود اللاجئين فصاروا يقفلون أبواب بيوتهم من العصر وامتنعوا عن السهرات عند الأهل والأصدقاء إلا عند الحاجة.

8- لعدم وجود وسائل إعلام كانت الدعايات والأكاذيب والخرافات حول النكبة تجتاح البلاد. حيث يوجد راديو يَتيم في قرية كان الرجال ينتظرون ساعة إخبارية ليتجمهروا في بيت أو قهوة ليتابعوا الأحداث.

9- أصبحت المواسم الزراعية ثقلا باهظا على الأسر الفلسطينية. فموسم الحصاد كان يجبر صاحب الحقل على مراقبته ليلا ونهاراً. يراقب الزرع والحصاد والبيدر والغلّة ينام على البيدر وفي حقول الزيتون والتين ليحرس الموسم.

10- لعدم وجود مشافي أو مراكز عيادات كانت الأمراض المعدية تنتشر بسهولة وعانى الناس من الحصبة والجدري والملاريا والإنفلونزا ورمد العيون وتلوث البيئة والمياه والنفايات.

رغم كل ذلك يجب أن نذكر هنا أيضاً بعض الخير الذي حمله اللاجئون للمنطقة.

اللاجئون من مدن الساحل مثل حيفا ويافا والرملة واللد وبيسان وصفد وبئر السبع والقدس الغربية وضواحيها حملوا معهم مِهَناً وصناعات وعُلوماً كان يفتقدها سكان القرى في داخل فلسطين.

1- جاء القرى عدد كبير من المتعلمين الذين توظفوا في مدارس القرى فابتدأت تتهيأ نقلة جديدة في الأساليب والمناهج. وازدادت الحاجة الى هؤلاء المعلمين حين استقر اللاجئون في خيام أو بناء بعض الغرف في مخيماتهم وابتدأت الأونروا في بناء المدارس الجديدة لاستيعاب أعداد الأطفال المتزايدة.

2- جاء أيضاً بعض الحِرَفيّين مثل النجارين والحدّادين والخيّاطين وتجار الأقمشة وصانعي الحلوى والأحذية فابتدأت عجلة العمل تدور هنا وهناك في القرى والمدن والمخيمات.

3- نشطت حركة الزراعة لحاجة الناس للغذاء فتوجه كثيرون الى الزراعة واستثمار الينابيع البعيدة عن القرية والتي كانت مهجورة .

4- كثرة الناس وحاجتهم الى التنقل للبحث عن عمل أو للتواصل الاجتماعي جعلت المواصلات تزدهر في القرى والمدن فأصبح الناس يرون فتح شوارع واسعة في قراهم وكانت سابقاً مسارب ضيقة. أصبحوا يرون التكسي والباص يتجول في شوارع القرية صباحاً والعودة مساء إليها. وحركة المواصلات هذه بدأت تجعل الحاجة الى تعبيد الطرقات وكانت السيارات لا تجد الا مسارين للعجلات فقط بين المدن. فالطريق بين رام الله واللد – على وعي جيلنا – كانت على مسارين لعجلات السيارة فقط.

5- عدد الأمهات المتعلمات الوافدات إلى القرى فتح مجال التعليم واسعاً للبنات أيضاً.

6- ابتدأت بعض النساء يفتحن مراكز عيادات بسيطة مثل القطرة وعلاج الدمامل والجروح وابتدأ الناس يسمعون بأسماء الدواء والمسكنات والمطهّرات.

7- لا ننسى أن دخول اللاجئين على القرى والمدن بنى نسيجاً واسعاً من العلاقات الاجتماعية بين المسلمين والمسيحيين. فكثير من القرى كانت تَجْهَل وجود وعادات ومقدسات الآخر.

8- انتشرت الجوامع في المدن والقرى بسبب حاجة الناس وتوزيعهم على بقعة القرية أو المدينة.

الخاتمة

ذكرنا بعض الشيء عن ماضي نكبتنا ولكننا لا نزال نعيش آثار هذا الماضي كما نعيش مستجداته في الحاضر، ونحن اليوم نعيش أيضاً خوف هذه النكبة وامتدادها في المستقبل. ونكبة غزة وإبادة شعبها بهذه الطريقة الوحشية سيكون لها تاريخ وذكريات في قلوب أطفالنا.

ثقتنا بشعبنا شعب الجبّارين سينتصر على ماضيه وحاضره ويبني مستقبلاً يليق بأبنائه وأحفاده.