في أواخر يناير/كانون الثاني 2024 اختفت الطفلة الفلسطينية هند رجب (5 أعوام) مع ستة من أقاربها في حي تل الهوى بغزة، أثناء هروبهم من القصف. كانت أسرار هذه الحادثة المروعة قد بدأت تتكشف عبر تسجيلات صوتية أذاعها الهلال الأحمر الفلسطيني، تظهر هند وهي مرعوبة، تئنّ وتناشد في الهاتف: “أنا خائفة جدًا.. أرجوكم تعالوا”

بعد أكثر من عشرة أيام على هذه المكالمة المرعبة، عُثر على جثمان الطفلة هند وخمسة من أفراد أسرتها وابنة عمها ليان قرب سيارتهم المدمرة، في حين وُجدت سيارة إسعاف الهلال الأحمر مشتعلة على مقربة منها مع استشهاد اثنين من مسعفيها.

لم تكن هند تعلم أن نداءها الأخير سيكون شاهداً على إحياء قضيتها وآلاف الفلسطينيين الآخرين؛ فقد لفظت أنفاسها في سيارة محاطة بجثامين عائلتها الممزقة برصاص كثيف وبقذائف دبابة للكيان الغاصب، حسب تحقيقات حقوقية لاحقة.

وحددت مجموعة بحثية (Forensic Architecture) أن دبابة للكيان الغاصب أطلقت 335 رصاصة باتجاه عربة العائلة من مسافة تقل عن 25 متراً.

واستنتج التحقيق أن مطلق النار كان يستطيع أن يرى ركاب السيارة بوضوح، بمن فيهم الأطفال، وأن تجاهل جنود الكيان الغاصب الإشارة إلى وجود طفلين في المركبة يجعل المذبحة جريمة حرب.

 التطورات الحديثة والملاحقة الدولية

في 3 مايو/أيار 2025 (ذكرى عيد ميلاد هند السابع)، كشفت “مؤسسة هند رجب” الحقوقية عن تطورات جديدة مهمة. فقد أعلنت المؤسسة أن تحقيقاً قانونياً مستفيضاً توصّل إلى تحديد هوية قائد العملية والفرقة التي نفذت الهجوم. وأعلنت أن المسؤول المباشر هو المقدم بني أهرون، قائد اللواء المدرع 401 في جيش الكيان الغاصب آنذاك، وأشارت إلى أن الدبابات تحت قيادته استهدفت سيارة العائلة المدنيّة، ثم دمرت سيارة إسعاف الهلال الأحمر أثناء محاولتها نقل الطفلة للمستشفى.

 تبع ذلك تقديم شكوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب، مطالبة بإصدار مذكرات توقيف ضد أهرون وبقية ضباط الكتيبة المتورطين.

وأكدت المؤسسة أن هذه الخطوة ليست انتقامية بل التزام قانوني يستند إلى أدلة دامغة، بالإضافة إلى ذلك، عملت جهات حقوقية فلسطينية على إعداد شكاوى إضافية للمحاكم الدولية والوطنية ضد ضباط وجنود الكيان الغاصب.

ويأتي ذلك في ظل دعوات رسمية فلسطينية للمحكمة الجنائية الدولية ووكالات أممية بالتحقيق الفوري في الحادث ومحاسبة المسؤولين.

البعد الإنساني والمجتمعي وتأثير القضية

تحوّلت قصة هند رجب إلى رمز مأساوي لحالة الأطفال في غزة. فقد نددت عائلتها وحملات التضامن في الداخل والخارج بالحادث، واعتبرته نموذجاً صارخاً لمعاناة المدنيين تحت القصف. رفعت أم هند صوتها مستنكرةً: كم من الأمّهات بعد؟ كم من الأطفال تريدون قتلهم؟، فيما وعد ناشطون بمواصلة رفع اسم هند حتى لا يُدفن في طي النسيان.

إنّ حسّ التعاطف الواسع الذي أثارته هند يكشف عن عمق الأثر الإنساني للقضية، ويضع ضغوطاً أخلاقية على المجتمع الدولي للتحرّك.

تتلخّص المأساة الإنسانية والقانونية في قضية هند رجب في أنها اختبرت قدرات العدالة الدولية على الإجابة. الأدلة المتاحة تشير بقوة إلى تورط عسكري مباشر للكيان الغاصب – من قتل الأسرة أولاً إلى قتل المسعفين لاحقاً – في أحد أسوأ حوادث حرب الإبادة على غزّة.

وبحسب معايير القانون الدولي، فإن إستهداف القاصرين أو فرق الإنقاذ يعد انتهاكاً صارخاً، قد يتجاوز جرائم حرب إلى جرائم ضد الإنسانية في حال تكرار الانتهاك ضمن سياسة ممنهجة.

ومع استمرار الصمت الدولي تجاه ما يحصل في غزّة يُشيع مزيداً من الإحباط لدى الرأي العام الفلسطيني، ويُلهب الضمير العالمي حيال هذه القضية. لذا يجب ألّا تقتصر الخطوة القادمة على إدانة الحادثة إعلامياً فقط، بل على تحويل تلك الأدلة والروايات الإنسانية القوية إلى تحقيق قضائي نزيه وشامل. ولا بد من القول إن صوت هند الصغير لن يختفي طالما هناك من يطالب بالحقيقة – صوتٌ يصدح الآن في طرقات العدالة، رغم المحاولات المستمرة لدفنه في صمت.