في صباحٍ يكتنفه الحزن والأمل، تحتفل فلسطين بعيد الفصح، بينما تتعالى أصوات الأجراس في كنائسها، ويخيم على قلوب المسيحيين فيها ألمٌ مضاعف.. ألمُ الحرب المستمرة.
وفي غزة، حيث تتقاطع أعياد القيامة مع أوجاع الحصار، يعيش المسيحيون ما يشبه درب الصليب الحقيقي، فعددهم تقلص من حوالي 1,200 إلى نحو 600 شخص فقط نتيجة الحرب والحصار، ورغم ذلك، يواصلون مشاركة ما يملكونه مع جيرانهم المسلمين، في مشهدٍ إنساني يتجاوز الانقسامات.
منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الغاصب على قطاع غزّة في 7 أكتوبر 2023 وحتى أبريل 2025، استُشهد ما لا يقل عن 51,000 فلسطيني، وأُصيب أكثر من 116,000 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، من بين هؤلاء، فقدت الطائفة المسيحية في غزة نحو 3 % من أبنائها، كما تعرض مستشفى الأهلي العربي (المعمداني)، آخر مستشفى مسيحي في غزة، للقصف في أحد الشعانين.
كما لم تسلم دور العبادة من القصف، فقد تعرضت كنيسة القديس برفيريوس، أقدم كنائس غزة، لقصف أدى إلى استشهاد 18 شخصًا، بينهم عشرة من عائلة واحدة. كما استُهدفت كنيسة العائلة المقدسة، حيث قُتلت ناهدة خليل أنطون وابنتها سمر كمال أنطون برصاص قناص للكيان الغاصب داخل حرم الكنيسة. وأُصيب سبعة آخرون أثناء محاولتهم إنقاذهما.
وكانت قد تحولت الكنائس إلى ملاجئ للنازحين، حيث استضافت كنيسة العائلة المقدسة نحو 700 نازح. ورغم تعرضها للقصف، استمرت الكنيسة في تقديم الدعم الإنساني والإغاثي من خلال توفير المأوى، والمساعدات الغذائية، والخدمات الطبية.
تزامنًا مع هذه المعاناة، أعلن الفاتيكان اليوم وفاة البابا فرنسيس، الذي كان صوتًا للسلام والعدالة. رحيله في هذا الوقت العصيب يزيد من ألم المسيحيين في غزة، الذين فقدوا نصيرًا لقضيتهم، فقد كان دائمًا يدعو إلى وقف العدوان على غزة ووقف حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني.
يُضاف إلى ذلك التضييق الذي يمارسه الكيان الغاصب على المسيحيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، والإعتداء عليهم خلال مشاركتهم في المناسبات الدينية حيث حُرم آلاف منهم من الوصول إلى القدس للمشاركة في إحياء أحد الشعانين، وفرض قيود مشددة على التصاريح، مما حوّل المناسبة الدينية إلى طقس محدود في ظل استمرار الحرب.
وسمح الكيان الغاصب لـ 6,000 مسيحيٍ فقط من الضفة الغربية، بالمشاركة في إحياء أحد الشعانين من أصل 50,000 مسيحيٍ حاولوا إحياء هذه المناسبة.
ورغم الحصار والتجويع والدمار، يواصل مسيحيو غزة صمودهم، حاملين صليبهم، ومؤمنين بأن القيامة قادمة. ففي كل شمعة تُضاء في كنائسهم، وفي كل صلاة تُرفع، يتجدد الأمل في مستقبلٍ أفضل، حيث يسود السلام والعدالة.
في هذا الفصح، وبينما تتعالى أصوات الأجراس في كنائس فلسطين، يُرفع الدعاء من أجل غزة، ومن أجل كل من يعاني فيها، مسيحيين ومسلمين، على أمل أن تشرق شمس الحرية قريبًا، وتُبعث الحياة من جديد في أرض السلام.
اضف تعليقا