لم يكن المساء في غزّة عادياً. في اللحظة التي كان العالم فيها يستعد لإغلاق يوم جديد، كانت السماء فوق مدينة خان يونس تتصدّع بنار صاروخ استهدف ما تبقّى من مساحة إنسانية في غزة: مستشفى المعمداني.
فجر الأحد، ارتكب الكيان الغاصب مجزرة جديدة، حين قصف مستشفى المعمداني في شمال القطاع، ما أدى إلى خروجه الكامل عن الخدمة، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة في غزة، التي أكدت أيضاً سقوط شهداء وجرحى، بينهم أطفال، في جريمة تُضاف إلى سجل طويل من الاعتداءات على المرافق الصحية خلال الحرب الإبادة الجماعية الجارية على غزة.
بحسب بيان رسمي لوزارة الصحة، فإنّ القصف أوقع عدداً من الشهداء والجرحى، من بينهم طفلٌ فارق الحياة بعد توقّف وحدة العناية المركزة عن العمل. لم يكن المستشفى مجرّد بناء من الإسمنت، بل ملاذًا للنازحين، وصرحًا طبيًا يواجه المستحيل يوميًا بإمكانات منهكة.
الجريمة لم تأتِ في سياق معزول، بل هي فصل جديد في حربٍ معلنة على كل ما ينبض بالحياة. فقد وثّقت وزارة الصحة، حتى الآن، خروج أكثر من 30 مستشفى عن الخدمة الكاملة أو الجزئية، بفعل القصف الممنهج للكيان الغاصب، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية، التي تحظر استهداف المنشآت الطبية والكوادر الصحية تحت أي ظرف.
ردود الفعل الدولية كانت خجولة، لكنها لم تغِب. عبّرت منظمات إنسانية وحقوقية، بينها منظمة الصحة العالمية، عن “قلق بالغ”، فيما طالبت منظمة أطباء بلا حدود بتحقيق دولي فوري، ووصفت ما يجري بأنه حرب على مظاهر الحياة كلها في غزة.
في خلفية هذا المشهد الدموي، يصرّ الفلسطيني على الحياة. يخرج من تحت الركام ليحمل طفله، أو يكتب على جدار مهدّم: “بكرا أحلى”. كأنّ الصمود هنا ليس خيارًا، بل دينٌ ووفاءٌ للأرض، للهوية، للحقّ، وللشهداء الذين رحلوا بأحلام لم تكتمل.
وفيما يتواصل القصف والتجويع، تقف الإنسانية على المحكّ. إنّ قصف المستشفيات ليس فقط جريمة حرب، بل جريمة ضدّ الإنسانية، ووصمة عار تلاحق المجتمع الدولي كلّما صمت أو ساوى بين الجلاد والضحية.
في غزة، لا تموت الحقيقة، بل تُولد من جديد تحت الرماد، وتُسعف بيد طبيب يعمل بلا دواء، وتُوثّق بعدسة صحفيٍّ استُهدف لأنه أراد أن يُري العالم الحقيقة.
لقد أرادوا إسكات صوت المعمداني، لكنّ أصداء القصف حملت صرخات المرضى إلى العالم، شاهدةً على جريمةٍ لا تغتفر.
اضف تعليقا