منذ فجر التاريخ، وقفت الأرض الفلسطينية شاهدةً على صمود أبنائها، حيث بات التراب والجبال أنفاساً للحرية، وذاكرةً لأمل لا يموت.
وبينما يحاول الكيان الغاصب التضييق على الفلسطينيين عبر مشاريع تهجير صممت لاقتلاع سكان الأرض من جذورهم، يبقى الفلسطيني متشبثاً بأرضه، معلناً أن الوجود على هذه الأرض لا يُباع ولا يُبدّل.
حين يُصبح التهجير فكرة زائفة
وفي ظل التقلبات السياسية العالمية، خرج مشروع التهجير الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كخطوة في هذا السياق، إذ دعا لتهجير نحو 2.2 مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى دول مجاورة، زاعماً أنها خطوة “لتطهير” القطاع من سكّانه.
لكن أهل غزّة، رغم محاولات الكيان وداعميه لتجريدهم من أصولهم، رفضوا هذه الفكرة، مؤكدين أن الأرض ليست عقارًا يشترى ويباع، بل هي شريان ونبض حياة.
واتساقاً مع صلابة موقف أهل الأرض، واجهت خطّة ترامب رفضاً دولياً واسعاً ودعوات إلى حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم وتمسّكهم بهويّتهم.
الضفة الغربية.. سياسة القضم البطيء
على الجانب الآخر، يمارس الكيان الغاصب سياسة قضم بطيئة في الضفة الغربية؛ إذ يتم هدم المنازل ومصادرة الأراضي في محاولات منهجية لفرض واقع جديد يُبعد الفلسطينيين عن أراضيهم.
وتٌقسم أراضي الضفة الغربية إلى “أ” و”ب” و”ج”، ليس بالضرورة أن تكون أراضي كل منها متصلة جغرافيا، إنما تفصل بينها حواجز ومستوطنات ومعسكرات للكيان الغاصب.
وتمعن حكومات الكيان الغاصب المتعاقبة، في بسط سيطرتها على الضفة وسنت لهذا تشريعات واتخذت قرارات لضمها وبسط السيطرة عليها.
ووفق توثيق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، للفترة بين 1 يناير/كانون الثاني 2010 وحتى 1 يناير/كانون الثاني 2025، فإن الكيان الغاصب هدم نحو 8 آلاف و765 منشأة فلسطينية في المنطقة “ج”.
أغلبها بذريعة البناء دون ترخيص، منها 3107 منشآت زراعية و2025 مسكناً مأهولاً ونحو 700 مسكن غير مأهول، أسفرت عن تهجير قرابة 10 آلاف فلسطيني.
وطالت عمليات الهدم في المناطق الثلاث “أ” و”ب” و”ج” في الضفة الغربية المحتلة خلال الفترة ذاتها نحو 12 ألف منشأة فلسطينية أسفرت عن تهجير نحو 19 ألف فلسطيني، وتضرر قرابة 768 ألفا آخرين.
وفي 21 يناير/كانون الثاني 2025، أطلق الكيان الغاصب عملية عسكرية استهدفت مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتلتها عملية أخرى في مخيم طولكرم، في 27 من الشهر نفسه.
كما اقتحم الكيان مناطق في محافظة طوباس، مستهدفا بلدة طمون ومخيم الفارعة في الثاني من فبراير/شباط الجاري.
وأجبر الكيان خلال عملياته ما يزيد على 40 ألف فلسطيني، من أصل 76 ألفاً، على مغادرة منازلهم في 4 مخيمات في محافظات جنين وطولكرم وطوباس، في “أكبر عملية تهجير” للفلسطينيين تشهدها الضفة الغربية منذ 1967.
رغم كل هذا التضييق الذي يمارسه الكيان الغاصب بحق الفلسطينيين ينبض الإصرار على البقاء في قلب كل قرية ومدينة؛ فالفلسطينيون يرون في الأرض مرآةً لهويتهم وجذورهم التي تُذكرهم دائماً بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالإصرار والصمود.
من القرى في غزة إلى ضفاف نهر الأردن في الضفة، كل حجر وكل شجرة زيتون تحكي قصة مقاومة، تعبيراً عن رفض التهجير مهما اشتدت محاولاته.
التهجير جريمة حرب
وفقًا للقانون الدولي، يُعتبر التهجير القسري انتهاكاً خطيراً للمواثيق الدولية وللحق الإنساني. وتحظر اتفاقية جنيف الرابعة نقل السكان بالقوة، كما تعتبر المحكمة الجنائية الدولية التهجير القسري جريمة حرب. فيما تؤكد قرارات الأمم المتحدة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.
ورغم ضعف آليات تنفيذ هذه القوانين، فإن استحضارها يساهم في تكوين رأي عام دولي مؤيد للموقف الفلسطيني الرافض للتهجير.
ولا يعتبر رفض الفلسطينيين لمشاريع التهجير ليس مجرد سياسي فحسب، بل هو إعلان وجودي… إعلان انتماء للهوية الفلسطينية العربية التاريخية.
وبينما تظل محاولات الكيان الغاصب تسعى لتفكيك نسيج الوطن، تقف فلسطين على أعتاب يوم الأرض بشموخها المعهود، تعانق سماءها بزيتونها الصامد، وتردد أن الأرض هي الوعد والعهد.
في هذا اليوم، تتجدد حكاية الصمود، وتُكتب على تراب الوطن كلمات النضال، مؤكدة أن جذور الفلسطينيين أعمق من كل محاولات الاقتلاع، وأن الإرادة أقوى من كل مشاريع التهجير. يوم الأرض ليس مجرد ذكرى، بل هو عهد يتجدد مع كل شروق شمس، بأن البقاء هنا حقٌ لا يُساوم عليه، وأن الهوية راسخة كرسوخ الجبال.
اضف تعليقا