فوق الركام يشق الآلاف من الفلسطينيين طريقهم نحو الشمال ممن غادروا قسراً تحت فتك الآلة العسكرية الصهيونية أمام عالم يتقلّب بين عجز أو خوف أو تواطئ.
بعد أن سقطت راية الغرب الإنسانية المزعومة عندما أشاح ببصره بعيداً عمّا كان يجري في غزة وأهلها من مجازر يندى لها الجبين، وبعدما حاولت حكومة الاحتلال عرقلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، من خلال ربط عودة الآلاف من النازحين الفلسطينيين من جنوب القطاع إلى شماله، بإفراج المقاومة الفلسطينية عن المجنّدة الصهيونية “أربيل يهود”، والتي أسرتها المقاومة من مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، بالرغم من أن الاتفاق لم يكن ينص على ذلك، ما تسبب بتفاقم المعاناة الانسانية للنازحين الذين فقدوا أصلاً كل شيء، إلا هذه الأرض التي ينتمون إليها.
لكنّ عزيمة وإصرار أبناء الأرض الراسخين، الذين افترشوا العراء للعبور عند مدخل جسر وادي غزة، المؤدي إلى الشمال، أفشلت ما كان يرنو إليه الاحتلال.
آلاف الفلسطينيين النازحين بدأوا صباح اليوم بالعودة إلى شمالي القطاع في اليوم التاسع من اتفاق وقف إطلاق النار وذلك بعد انسحاب قوات الاحتلال من محور نتساريم وسط القطاع.
يشمّ أبناء غزة تراب غزّتهم.. يكبّرون ويهلهلون بعد انتصارهم، أمام الكاميرا التي وثّقت رحلة صمودهم، وفي وجه ما أنتجته التكنولوجيا الغربية من آلات الفتك والدمار، وفي تحدٍ مُعلن لما طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل يومين عندما تحدث عمّا أسماه “تطهير” غزة ونقل بعض سكانها إلى مصر والأردن ودول عربية أخرى لم يسمها.
مشهد يُحفر في قلب الذاكرة، أنَّ أبناء غزَّة ما زالوا يتمسكون بمعاني العزة والكرامة بعيداً عن مفاهيم الخنوع، وأن بوصلتهم واضحة وضوح الدمار في مدينتهم أمام أعين العالم، والذي أكّده رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، في تصريح سابق أن ما بين 65 و70% من المباني في قطاع غزة دُمرت أو تضررت جراء القصف الصهيوني، وأنَّ الحرب قضت على 60 عامًا من التنمية”.
وعلى الضفّة الأخرى، شمال الشمال من غزّة في جنوب لبنان التي أُطلقت معركته إسناداً لغزّة وأهلها في الثامن من أكتوبر 2023 بفارق يوم واحد عن معركة طوفان الأقصى، يصرّ الزمن على ربط كلّ من كان لفلسطين وأهلها وقضيتها ناصراً ومعيناً، أن مصيرهم واحد وانتصارهم واحد، ويُشهد العالم على تضحياتهم وعظيم إرادتهم.
عاد أهل جنوب لبنان إلى جنوبهم أيضاً، بعد أن دمرته أعتى آلة حرب تقف خلفها كل البصمات الغربية، وأجبروا قوات الاحتلال على الانسحاب تحت الضغط، والتي كانت قد أعلنت أنها لن تنسحب من القرى التي احتلّتها بعد انتهاء الحرب.
سالت دماء الجنوبيين لتختلط بدماء أهل غزة ومقاومتها وتزهر هذا الانتصار، وتؤكد مرة أخرى أن إرادة الحياة أقوى من آلة موتهم.
اقرأ أيضاً:
بعد 470 يوماً من الإبادة.. تنهض غزة شامخة بإرادة أبنائها
اضف تعليقا