إن الأحرار الحقيقيون هم أولئك الذين يرفعون أصواتهم ضد الظلم،ويقفون بجانب المظلومين، مؤمنين أن الكرامة الإنسانية لا تتجزأ، وأنالدفاع عن العدالة واجب يتجاوز الحدود والجنسيات. هؤلاء لا تحصرهمجنسياتهم أو أديانهم، بل تجمعهم قيم الإنسانية، ويخلدون لأنهم وقفواعلى الجانب الصحيح من التاريخ حين كان العالم متفرجاً و متواطئاً.

هكذا هم المناضلون والمناصرون للقضية الفلسطينية، تلك القضية التيتجمع بين أقدس معاني الحرية والنضال في وجه أبشع أنواع الاحتلالوالإبادة. من بينهم رجال مثل المحامي الفرنسي جاك دوفير، الذي سخّرحياته لخدمة القضية والتي لم تكن تخصه فقط، بل تخص كل من يؤمنبالحق والعدالة في هذا العالم.

توفي، المحامي الفرنسي البارز جيل دوفير، أحد أبرز المدافعين عنالقضية الفلسطينية في المحاكم الدولية، عن عمر يناهز 68 عاماً. اشتهر دوفير بدوره الفاعل في محاكمة مجرمي الحرب، وخصوصاًجهوده التي أثمرت عن إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء لدىالكيان الغاصببنيامين نتنياهوووزير الدفاعيوآف غالانت“.

وأعلن راديومونت كارلو” الفرنسي الخبر، ناقلاً عن رفيقه المحاميعبد المجيد مراري، الذي قال: “دوفير عاش من أجل المبادئ، ومن أجلالقضايا العادلة عموماً، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وكان يسعىدائماً إلى ملاحقة مجرمي الحرب أينما كانوا”.

 

جهود قانونية رائدة

في عام 2023، كان دوفير جزءاً من فريق المحامين الذين تقدموابشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وتناولت الشكوىجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المستمرة التي يرتكبها الكيانالغاصب بحق سكان قطاع غزة.

وكان دوفير قد أسساللجنة الدولية للمحامين”، وهي شبكة عالميةتضم أكثر من 500 محامي وخبير قانوني، هدفها محاسبة المسؤولينعن جرائم الحرب.

ونتيجة لجهود هذه اللجنة، أُصدرت مذكرات توقيف دولية بحق قادةالاحتلال، من بينهمنتنياهووغالانت“.

مواقف مبدئية

كان دوفير صريحاً في آرائه حول العدالة الدولية، حيث قال عن القضيةالفلسطينية:

“من الواضح لي أنه في حالة فلسطين، لدينا جميع معايير القضاياالمتعلقة بالإبادة الجماعية، لذلك على الحكومات أن تختار المعسكر الذيستنضم إليه؛ هل تدعم حقوق الإنسان أم الإبادة الجماعية؟ لا يمكنهمإلقاء خطب عن القانون الدولي وحقوق الإنسان ثم الوقوف مكتوفيالأيدي أمام الجرائم”.

وأضاف محذراً: “إذا لم تفعل المحكمة الجنائية الدولية شيئاً، فسيكونذلك نهاية المحكمة، لأنه لدينا ما يكفي من الأدلة لإصدار أمر توقيفضدنتنياهو“”.

إرث خالد

شكلت مسيرة جيل دوفير مثالاً نادراً للالتزام بالحق والعدالة، متجاوزاًالحدود السياسية والجغرافية، حيث كان دوفير يؤمن أن العدالة ليستمجرد نصوص قانونية، بل مواقف شجاعة تُترجم إلى أفعال من أجلالدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة.

رحيله يمثل خسارة كبيرة لكل مناضل من أجل حقوق الإنسان، وخاصةللقضية الفلسطينية التي كانت في قلب نضاله المهني والإنساني.