قد لا يكون أحدهم قاتلاً، لكنه يمكن أن يصبح مثل القاتل أو أشد منه وحشية، عندما يمد يده ليصافحه، ويستقبله. ويمكن أن يكون ذلك أيضاً عبر الصمت أو المساهمة بطريقة غير مباشرة في الجريمة.
منذ السابع من أكتوبر 2023، يرتكب جيش الكيان الغاصب إبادة جماعية بحق الآلاف من المدنيين في قطاع غزة. وفي الشهر الماضي، انتقلت هذه الجرائم لتطال لبنان أيضاً، ليصبح الأمر أكثر من مجرد إبادة محدودة؛ إنه تحدٍ صارخ لضمير العالم، الذي ظل في كثير من الأحيان صامتاً أو متواطئاً.
في هذا المناخ المضطرب، تنكشف لنا صور أخرى من صور التواطؤ، التي قد تبدو أقل وضوحاً لكنها تنطوي على ضرر فادح. ففي فرنسا، على سبيل المثال، يكشف ما يحدث في الساحة الرياضية عن البعد السياسي والدعم المطلق للإبادة التي تحدث في الشرق الأوسط، لاسيما في فلسطين ولبنان، حيث أقيمت مباراة بين منتخب الكيان الغاصب ومنتخب فرنسا يوم أمس الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في ملعب سان دوني بالعاصمة باريس.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من المسؤولين، من بينهم الرئيسان الفرنسيان السابقان ساركوزي وهولاند، قد حضروا إلى الملعب لمتابعة المباراة، في خطوة غير تقليدية تعبر عن تضامنهم مع الكيان الغاصب، وهو ما يكفي اجعلهم شركاء لهذا الكيان في جرائمه، وعلى الطرف النقيض لأحرار العالم الذين ملؤوا الساحات تضامناً مع الشعب الفلسطيني في وجه حرب الإبادة الوحشية.
وخلال المباراة، قامت الجماهير الحاضرة باستقبال نشيد الاحتلال بصيحات استهجان وصفارات، تعبيراً عن رفضها لمشاركة منتخب الاحتلال.
وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد تُظهر قيام بعض مشجعي الاحتلال بإثارة أعمال شغب خلال المباراة، حيث اعتدى هؤلاء على مشجعين فرنسيين، مما أدى إلى اندلاع شجار عنيف بين جماهير الفريقين على المدرجات.
كما أظهرت لقطات أخرى خلو المدرجات من العديد من المشجعين الذين قاطعوا المباراة تضامناً مع فلسطين واحتجاجاً على العدوان الذي يشنه الاحتلال على قطاع غزة ولبنان.
في ذات الوقت، تم تنظيم مظاهرات حاشدة في العاصمة باريس وفي مدن فرنسية أخرى، للتعبير عن التضامن مع فلسطين ورفض مشاركة الاحتلال في مباراة دوري الأمم.
وكانت السلطات الفرنسية قد عززت إجراءات الأمن في باريس قبل مباراة كرة القدم بين فريقي فرنسا والكيان الصهيوني، خشية تكرار الاحتجاجات الشديدة ضد الصهاينة التي وقعت في أمستردام بهولندا الأسبوع الماضي.
إلى جانب ذلك، اندلعت مساء الأربعاء 13 نوفمبر تظاهرات في باريس، ومن المقرر أن تجري مظاهرات أخرى احتجاجاً على تنظيم شخصيات يمينية متطرفة بالتعاون مع جمعية “إسرائيل إلى الأبد” حفلاً لجمع التبرعات لجيش الكيان الغاصب و”تعبئة القوى الصهيونية الناطقة بالفرنسية”. كان من المخطط أن يشارك في هذا الحدث وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، لكنه أكد أنه لن يسافر إلى باريس للمشاركة في أعقاب الانتقادات المتزايدة.
وفي سياق المشاركات الرياضية، وجه عضو الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين، سفير العودة النائب ماندلا مانديلا نداءً إلى جماهير الرياضة وفريق كرة القدم الفرنسي لمقاطعة المباراة، قائلاً: “أدعو فريق كرة القدم الفرنسي إلى عدم اللعب مع فريق الإبادة الجماعية، وأدعوكم جميعاً للانضمام إلى دعوتنا ودعوة الملايين في جميع أنحاء العالم لوقف الإبادة الجماعية”.
هذه الملاعب، التي كان من المفترض أن تكون موطناً للمناسبات الرياضية، تحولت إلى منصات لشرعنة أعمال الإبادة التي يقوم بها الكيان الغاصب، في وقت تتواصل فيه المجازر في غزة ولبنان. مما يجعل من هذا الحدث مجرد حلقة في سلسلة من الصراعات التي تمتد إلى ما هو أبعد من حدود الملاعب. فالأحداث في باريس لا تقتصر على الرياضة فحسب، بل تجسد صراعاً أعمق وأوسع بين حركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني، الذي يئن تحت وطأة الاحتلال، وبين مواقف الحكومات التي تقدم دعماً صريحاً للظلم وتساهم في تعزيز إجرام الاحتلال.