منذ القدم، ومع غياب وسائل التواصل الاجتماعي التي نعرفها اليوم، كان العالم مغلقًا إلى حد بعيد على نفسه، وكانت الحقائق في قبضة الإعلام المتحيز والمهيمن، ولم يكن من السهل على شعوب الغرب أن ترى ما يحدث في أرجاء الأرض البعيدة عنهم، ولا سيما في فلسطين.

غالبًا ما كانت صورة فلسطين تبدو مشوّهة بسبب وسائل الإعلام التي تروّج لرواية الاحتلال “الإسرائيلي” وتغفل عن معاناة الشعب الفلسطيني.

ولكن ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي بدأ العالم يشهد تحولًا غير مسبوق في طريقة نقل الأخبار والمعلومات، فأصبحت الصور والفيديوهات تنتقل بسرعة البرق، والكلمات تنتشر بلا قيود. ومع ظهور هذه الوسائط الجديدة، بدأ الكثيرون في الغرب يتنبهون لحقيقة ما يحدث في فلسطين، وأخذت الآراء تتغير تدريجياً.

وفي خضم هذا التغيّر، جاء “طوفان الأقصى” ليكون بمثابة نقطة تحول في الوعي الغربي تجاه القضية الفلسطينية. فقد كشفت تلك الجرائم الوحشية التي ارتكبها الكيان الغاصب بحق الأبرياء عن وجهه الحقيقي، وكشفت زيف الرواية التي كانت تُروّج لها آلة الإعلام الغربية لعقود.

لم تترك الصور والمقاطع التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مجالًا للشك أو التعتيم. وبدأت العيون تنفتح على الفظائع التي لا يمكن تجاهلها، وصارت أصوات الغرب التي كانت تتبنى الصمت أو الإنكار تتحول إلى صرخات استنكار ورفض لهذه الجرائم.

لقد أظهر العالم الغربي الذي لطالما اعتقد بعضهم أنه بعيد عن واقع ما يحدث في فلسطين وجهًا آخر لإنسانيته. فعلى الرغم من أن وسائل الإعلام كانت تتحكم في مسار الأحداث وتوجيه الرأي العام، فقد جاء هذا الطوفان ليكسر تلك القيود ويكشف الحقيقة المخفية وراء سطور الأخبار المغلوطة.

منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول ٢٠٢٣، ومع انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، بدانا نرى تحولًا نوعيًا في مواقف الغرب تجاه الكيان الغاصب، لاسيما من خلال حملات المقاطعة حول العالم، أو اعتراف بعض الدول بدولة فلسطين، أو التحركات الشعبية العالمية ضد هذا الكيان.

اليوم، ونحن نصل إلى اليوم الـ 400 من الحرب الوحشية على قطاع غزة، تستمر آلة القتل والدمار في التهام المزيد من الأبرياء الفلسطينيين، بينما يشهد العالم تحولًا ملحوظًا في وعيه تجاه هذه المجزرة المستمرة.

في هذا السياق نفهم تلك الأحداث التي شهدتها العاصمة الهولندية أمستردام ردّاً على الاستفزازات العنصرية التي قام بها الفريق الرياضي الصهيوني، فهذه الواقعة لم تكن مجرد مشاجرة رياضية، بل كانت انعكاسًا للصراع الأكبر الذي يعيشه العالم حول قضية فلسطين. وقد كانت ردود الفعل في الشوارع بمثابة تعبير عن التضامن مع فلسطين، وهو ما يعكس التحول في الوعي العام الذي تحدثنا عنه، حيث بدأت الشعوب في أوروبا تدرك بشكل أكبر حقيقة ما يحدث في غزة، وأصبحت مواقفها أكثر وضوحًا في دعم القضايا المحقة، وخاصة القضية الفلسطينية بعد مرور أكثر من 400 يوم على العدوان الصهيوني، وبينما تستمر الإبادة الجماعية بحقّ أهالي غزة ولبنان أيضاً، أمام سمع الأنظمة العالمية وبصرها.