مع نهاية الشهر الثالث عشر لحرب الإبادة الصهيونية على غزة، والتي بدأ تطبيق فصولها في لبنان أيضاً منذ شهر تقريباً، دعت “الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين” أعضائها وأصدقاءها إلى المزيد من العمل والتعاون معاً لوقف العدوان الصهيوني، وإدانة التواطؤ السياسي الغربي معه، ومتابعة التعريف بحقائق القضية وحقوق الشعب الفلسطيني.

وحيث تؤدي وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة دوراً أساسياً في توجيه الرأي العامّ نحو اتخاذ مواقف عملية معينة تجاه القضايا الأساسية، فقد ركّزت “الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين” دعوتها على التوجّه في المرحلة القادمة نحو المؤسسات الإعلامية في أوربا وأمريكا وباقي دول العالم، لمواجهة التزييف الهائل في المعلومات والأخبار، وفضح الانحياز والعنصرية ضد قضية الشعب الفلسطيني، وتشويه نضاله المشروع من أجل تحرير أرضه واستعادة حقوقه.

لقد ظهر واضحاً منذ يوم 7 أكتوبر 2023 أن الاتجاه العامّ للإعلام الغربي يتطابق بشكل تامّ تقريباً مع الرواية الصهيونية، ولا زال هذا الانحياز مستمراً حتى بعد أكثر من عام على حرب الإبادة ضد قطاع غزة، والتي حوّلت هذه المنطقة الصغيرة وذات الكثافة السكانية العالية جداً إلى مدينة أشباح، مع إلقاء كمية متفجرات عليها تفوق ما ألقي على مدينتي هيروشيما وناغازاكي معاً بعدة مرات.

وقد أظهرت العديد من القنوات الإعلامية الكبرى في أوروبا وأمريكا، وبعض الدول العربية، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي يرتكبها الكيان الغاصب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، تواطؤاً إعلامياً واضحاً مع الرواية الصهيونية، حيث تم تقديم الأحداث من وجهة نظر الأجندات السياسية التي تخدمها هذه القنوات، والتي تتبنى رواية الاحتلال.

هذا التحيز الإعلامي أسهم في تغذية الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينيين، وشوّه صورة نضالهم المشروع من أجل الحرية والكرامة.

وعلى الرغم من أن التقارير الدولية والمنظمات الإنسانية قد وثقت العديد من الانتهاكات والجرائم بحق الإنسانية، فإن هذا الإعلام المتحيز غالباً ما كان يتجاهل هذه الحقائق، ولا يقدّم القصة كما هي، بل يسعى لتحويل الضحايا إلى جلادين، ويبرر الجرائم تحت ذرائع واهية مثل “حق الدفاع عن النفس”. وبذلك، تم تحريف واقع ما يجري في غزة ولبنان من حرب إبادة، ليظهر كما لو أنه مجرد صراع أو رد فعل على هجوم، في تجاهل تام للسياق التاريخي والإبادة القائمة.

من هذا المنطلق، وفي ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الشعب الفلسطيني واللبناني في سعيه للدفاع عن أرضه، طالبت الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين بالقيام بتحرك جاد من قبل الناشطين الدوليين لتصحيح الرواية الإعلامية ومواجهة الصورة المشوهة عن القضية الفلسطينية في وسائل الإعلام الغربية والعربية على حد سواء.

وقد شددت الحملة في دعوتها على أهمية رفع الوعي الإعلامي في العالم الغربي والضغط على وسائل الإعلام لتقديم رواية محايدة وموضوعية، تضع في اعتبارها السياق التاريخي للصراع الفلسطيني وتبرز حقيقة العدوان الصهيوني المستمر. كما دعت إلى ضرورة إدانة التواطؤ الغربي مع الاحتلال، والتأكيد على ضرورة احترام حقوق الإنسان والامتثال للقوانين الدولية التي تحظر هذا العدوان.

إحدى النقاط التي أوردتها الدعوة تشير إلى أن معظم وسائل الإعلام فشلت في تقديم السياق التاريخي الكامل للصراع الدائر، مما أدى إلى تمسك الجمهور الغربي بالرواية الصهيونية حول الأحداث. فمعظم التغطيات الإعلامية اقتصرت على تصوير الهجمات الفلسطينية ضد الاحتلال في 7 أكتوبر 2023، دون العودة إلى جذور الصراع أو تسليط الضوء على الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال.

كما أشارت الحملة إلى بعض أشكال الانحياز ضد الرواية الفلسطينية، حيث تمت استضافة عدد كبير من المتحدثين باسم الكيان الصهيوني، في حين تم تقليص فرص تمثيل الشعب الفلسطيني في وسائل الإعلام الغربية.

جديرٌ بالذكر أن هذا التحيز الإعلامي العنصري قد استدعى إجراء عدد من الأبحاث في عدة جامعات ومراكز دراسات مرموقة، لتحليل الخطاب الإعلامي للصحف والقنوات التلفزيونية الأوربية والأمريكية وبعض القنوات الناطقة باللغة العربية أيضاً.

وقد توصّلت هذه الدراسات إلى مجموعة من النتائج نذكر بعضها فيما يلي:

1- فشلت أغلب وسائل الإعلام في توفير سياق تاريخي ملائم لمساعدة الجماهير على فهم الأسباب الجذرية للصراع الدائر، وكأن القضية كلّها قد بدأت يوم 7 أكتوبر بهجوم حماس على المستوطنات المحيطة بغزة، وقد أدّى هذا الإغفال المتعمد للسياق التاريخي إلى تعميق الفهم المشوه للأحداث، والموجود أصلاً لدى كثير من الجمهور الغربي، وهو ما يخدم السردية الصهيونية للأحداث.
2- تابع الإعلام سلوكه المتحيز ضد الرواية الفلسطينية، ولم يسمح إلا في حالات نادرة باستقبال ناطقين باسم الشعب الفلسطيني، وحتى في هذه الحالات كان السؤال الأساسي لهم: (هل تدينون ما فعلته حماس ؟)، دون اهتمام بفهم الموقف الفلسطيني بموضوعية.
3- في المقابل تمّت استضافة سيل من الناطقين باسم الرواية الصهيونية، والذين قاموا بشيطنة الإنسان الفلسطيني، ونزع الصفة البشرية عنه في كثير من الأحيان، والدعوة إلى استخدام كل القوة الممكنة ضدهم، بما فيها أسلحة الدمار الشامل
4- ما سبق ساهم في تعزيز القوالب النمطية التي تحدد الضحية والجاني، فالمستوطنون هم الضحايا مهما بلغت وحشيتهم وجرائم الجيش الذي يمثلهم، والفلسطينيون هم الجناة دون أي فرصة لتأويل آخر.
5- في سياق تقديم التبريرات للعدوان الصهيوني على غزة بذريعة الدفاع عن النفس، قام العديد من المسؤولين الغربيين والإعلاميين بتجاهل القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان، والتغافل عن الإهانات التي وجهها المسؤولون الصهاينة للأمم المتحدة والعدوان العسكري على المقرات التابعة لها، بل وتصنيف بعض الهيئات التابعة للمنظمة الدولية تحت قائمة الإرهاب.
6- وبذريعة محاربة الإرهاب، الذي التزم الإعلام بالتعريف الإسرائيلي له، فقد تم اعتبار الأطفال والمستشفيات والمنظمات الإنسانية ودور العبادة أهداف مشروعة للقتل والدمار، وإلغاء كل أخلاقيات وقوانين النزاعات المسلحة ما دام ذلك يخدم إعطاء الشرعية للسلوك الإجرامي للكيان الصهيوني، وهو ما يمثله تصريح وزيرة الخارجية الألمانية الأخير عن تبرير استهداف التجمعات المدنية بذريعة القضاء على المقاومة.

إن الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين، من خلال هذه الدعوة، تسعى إلى تكثيف الجهود في توعية العالم بأهمية التصدي لهذا التحيز الإعلامي المستمر، ودعوة الأفراد والمجتمعات للقيام بدورهم في كشف الحقائق عبر وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك التواصل المباشر مع الإعلاميين والمؤثرين، ومواصلة الضغط على المؤسسات الإعلامية العالمية لضرورة الالتزام بالموضوعية والمصداقية في تغطية الأحداث المتعلقة بحرب الإبادة بحق شعبنا الفلسطيني واللبناني.

إن التحدي أمامنا الآن هو أن نرفع صوت العدالة الإنسانية في وجه الإعلامالمتحيز الذي يضلل العالم عن الحقيقة، وأن نسعى إلى تحقيق تغطية إعلامية عادلة تبرز حق الشعب في الدفاع عن أرضه وعرضه.