لطالما تكررت على مسامعنا في الآونة الأخيرة كلمة “اعتقال”، هذه الكلمة التي تُعرّف عالميًا بأنها احتجاز شخص بتهمة معينة“؛ لكن في فلسطين المحتلة، يختلف تعريف هذه الكلمة بشكل جذري، ففي ظل السيطرة التي يفرضها الكيان الغاصب على هذه الأرض المباركة، يصبح الاعتقال إجراءً روتينيًا يتمّ دون محاكمة، استنادًا إلى أوامر تصدر من قائد المنطقة، وبالاعتماد على أدلة وبيانات سرية لا يطلع عليها حتى المعتقل نفسه.

هذا الوضع المأساوي يجعل المعتقل في حالة من العجز التام، حيث يواجه ادعاءات لا يعرفها ولا يمكنه دحضها.

تمرّ هذه العملية دون تقديم لائحة اتهام أو محاكمة، ما يعني أن المعتقل يبقى في حالة من الغموض بشأن مصيره، دون معرفة موعد إطلاق سراحه.

منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول عام 2023، ومع بداية العملية المباركة (طوفان الأقصى)، تصاعدت الاعتقالات في العديد من المدن الفلسطينية المحتلة، ومنها غزة والضفة الغربية بشكل ملحوظ، حيث بدأت قوات الاحتلال بتبني سياسة اعتقال ممنهجة استهدفت المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء ونشطاء ومحامين ومحاضرين وأسرى محررين وشخصيات عامة.

وفي هذا السياق، أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في وقت سابق إن الأسرى في سجن جلبوع يعيشون حياة مأساوية وواقعًا أليمًا، جراء السياسات الفاشية والعنصرية التي تنتهجها إدارة سجون الاحتلال في التعامل معهم.

وأوضحت الهيئة أن الضرب والشتم والتكسير واقتحام الغرف والأقسام، باتت من ضمن الروتين الثابت لأساليب إدارة الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين.

وأفادت الهيئة “إن هناك نقصًا حادًا في الملابس والأغطية، ولا يوجد مراعاة للظروف الجوية مع قدوم فصل الشتاء، إلى جانب انتشار الأمراض الجلدية، وغياب لمواد التنظيف والمعقمات، واستمرار سياسة العزل عن العالم الخارجي، ووضع قيود ومعيقات على التواصل داخل الغرف، والأقسام لا تزال تعاني من اكتظاظ كبير، والمعتقل لا يستطيع الجلوس أو التحرك إلا على مساحة الفرشة التي يمتلكها.

وعلى سبيل المثال لا الحصر تأتي حالة الأسير مروان البرغوثي، كنموذج على وحشية الكيان الغاصب في التنكيل بالأسرى، حيث أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين منذ أيام “بأن البرغوثي أصيب بكسور في الأضلاع نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له على يد قوات القمع في سجنه، وأن الاعتداء عليه أسفر عن إصابات عديدة في جسده، بالإضافة إلى آلام في الظهر ونزيف في الأذن اليمنى”.

وأكدت الهيئة “أن هذه العمليات القمعية التي يتعرض لها الأسرى، تشير بوضوح إلى قرار الاحتلال بمحاولة اغتيالهم، خاصة مع استمرار هذه الاعتداءات”.

أما عن سجن عوفر غربي رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، فقدأكدت مؤسستان حقوقيتان فلسطينيتان أن أسرى قطاع غزة يعيشون هناك ظروفاً “صادمة ومذلة”، في ظل تنافس السجانين على تعذيبهم.

وجاء في بيان مشترك لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، “أن آخر الزيارات التي تمت لمعتقلي غزة في معسكر عوفر تعكس الأوضاع والظروف المأساوية والروايات الصادمة، وعمليات التنكيل والتعذيب التي يتعرض لها المعتقلون”.

وأضاف البيان أن المعتقلين تحدثوا عن “أساليب الإذلال التي تنتهجها إدارة المعسكر، ومنها إجبار المعتقلين على الهتاف بكلمة شكرًا للكابتن (مسؤول السجن) باللغة العبرية، ومن لا يمتثل لذلك يتعرض لاعتداء وعقاب”.

بالإضافة إلى “استمرار حرمان المعتقلين من حقهم في العلاج والرعاية الصحية، وإجبارهم على وضعيات جلوس مهينة ومذلة، إلى جانب بدء معاناة المعتقلين من البرد خاصة في ساعات الليل، لعدم توفر ملابس وأغطية”.

إن ما يجري اليوم مع الفلسطينيين من اعتقال وتعذيب، لا يمثل مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، بل هو انتهاك لكل مؤسسة ومنظمة تتغنى بالإنسانية وحقوق الإنسان.

ولئن كانت هذه الاعتقالات تهدف لكسر عزيمة شعبنا الفلسطيني، فإنّ الإرادة في التحرر تصبح أكثر قوة في قلوب أبناء شعبنا الفلسطيني مع كل اعتقال، ويزداد الأمل تجذرًا في نفوسهم.