مرج الزهور – الذنيبة، بلدة لبنانية تقع بين قضائي حاصبيا والبقاع الغربي على مقربة من الحدود السورية اللبنانية ولا يتجاوز عدد سكانها المئات، خاصة في الشتاء القاسي كونها ترتفع 1000 متر عن سطح البحر فيما يتركّز إنتاج مرج الزهور على زيت الزيتون الذي تنتشر كرومه في ربوع بيئتها الجبلية.
اشتهرت البلدة بعد أن قامت قوّات الاحتلال الإسرائيلي عام في 17 ديسمبر 1992 بمحاولة لنفي مجموعة مؤلفة من 416 من كوادر المقاومة الفلسطينية خارج أرضهم سعياً لإنهاء حالة المقاومة في غزة والضفة. يومها كان الاحتلال لا زال يسيطر على ما عرف بـ”الشريط الحدودي” داخل لبنان، فما كان منه إلا أن أوصل الفلسطينيين مكبّلين بأصفادهم داخل الباصات إلى آخر منطقة لبنانية محتلة ثمّ تركهم فيها دون أي مقوّمات للحياة.
كان هذا العمل اللا – إنساني واللا – قانوني أحد أغبى القرارات التي اتخذها إسحاق رابين، رئيس حكومة الاحتلال الذي سيمنح في ما بعد – وبشكل مثير للسخرية – جائزة نوبل للسلام!
رفض المبعدون الفلسطينيون القبول بتهجيرهم من أرضهم وفصلهم عن عائلاتهم وشاركهم في الرفض أيضاً جهات دولية رسمية ومستقلة ومنظمات إنسانية وحقوقية بعدما وجدوا أنّ الكثير من المبعدين لا علاقة مباشرة لهم بأيّ عمل عنفيّ ضدّ الاحتلال، وإنّما جرى عقابهم بشكل جماعيّ كونهم من النخب التي تصنع الوعي في فلسطين ضدّ الاحتلال.
واستطاعت الحركة الواعية لمبعدي مخيّم مرج الزهور الذين كان معظمهم من الأطبّاء والمهندسين والكتّاب والمفكّرين والشعراء وحملة شهادات دكتوراه من جامعات أوروبية أن يوصلوا صوت مطالبهم المحقّة إلى العالم، الأمر الذي شكّل قلقاً كبيراً للإسرائيليين. فقد أصبح المخيّم على مدار أيام السنة مقصداً للصحافيين الأجانب وخندقاً إعلامياً متقدّماً في مواجهة البروباغندا الصهيونية تمكّن خلاله العالم من سماع الرواية الفلسطينية للقضية والصراع مع الاحتلال من أشخاص من داخل فلسطين لهم تجربة حديثة في مقاومة الاحتلال.
كما ساعد وجود المبعدين في المنطقة المحررة في تواصلهم مع قادة حركات المقاومة ومواجهة الاحتلال في العالم العربي وأظهروا أنّهم أصحاب نفسٍ طويل وأنّهم لن يأبهوا بعوامل الطقس والجغرافيا الصعبة ولا بتهديدات رابين بقصفهم. فأدرك حينها الاحتلال أنّه ارتكب خطأً كبيراً في تهجيرهم وكان ذلك بمثابة نصر كبير لثقافة المواجهة الواعية مع الاحتلال من خلال التضامن والتوحّد والعمل الإعلامي الضاغط والمؤثّر الذي صنع رأياً عاماً عالمياً أدّى إلى الضغط على حكومة الاحتلال بشكل جدي لإعادتهم إلى فلسطين رغم قيام الاحتلال باعتقال العديد منهم بعد عودتهم على دفعات خلال عام 1993.
من أجمل التوثيقات لتلك المرحلة الجهد الذي قام به الصحافي كريستوف أوبرلين مع الصحافي إريك بونييه والذي صدر في كتاب توثيقي مصوّر عن تلك المرحلة وتفاصيلها تحت عنوان “la vallee des fleurs”، وباللغة العربية الفيلم الوثائقي “على حدود الوطن”.